هذه حكـومة احـتلال بأتم مـعنى الكـلمة بقلم الشاعر الصغير ولاد أحمد

with Un commentaire

-1
نحن نتدرّب على الفنون السبعة وعلى ما تلاها من فنون وحقوق وتطلعات، في الفضاءات الثقافية وفوق خشبات المسارح وفي الخيال الطلق.

وهم يتدرّبون على فنون الذِّكر والمصارعة والقتال، في تجاويف الليل وفي صحون المساجد وعلى شواطئ البحر.

نحن نتظاهر بشكل سلمي، وبتراخيص مسبقة، وفي أمكنة يحدّدها مزاجُ وزير الداخلية،و »نأكل الطرايح »..نتظاهر من أجل الدفاع عن حرية التعبير التي تُعَدُّ المكسب الوحيد بعد الثورة،مكسبٌ بدأت تطالُهُ مقصّات الرقباء وتعلاّت المحافظة على الأمن و صيانة الأخلاق الحميدة والدفاع عن المقدسات.

وهم يتظاهرون في الساحات العامة،دون تراخيص مسبقة،وفي الأمكنة التي يريدونها،ويزيدون.. فيخطب فيهم الوزراء والوعّاظ على سبيل الدعم والتحريض وبث الفتنة…يتظاهرون من أجل أن لا نتظاهر نحن، ومن أجل أن تكون حكومتهم أبديةً مثل الله..بعد استغفار الله.

نحن، إذن، في حالة طوارئ لا غبار عليها.بعضنا ينظر بريبة وتحوّط إلى البعض الآخر، وكأننا شعبانِ من ملّتيْن متباعدتيْن في بلد واحد..وهذا هو التعريف الأدق لتباشير للحرب الأهلية !!

لكن،قبل ذلك كله:
من نحن..بالضبط ؟
ومن هم..بالتحديد؟

نحن، ببساطة شديدة، من قام بالثورة ومن باستطاعته القول: »لنا شهداء وجرحى وأيتام، ولنا مشاريع شهداء وجرحى وأرامل، إذا واصلت هذه « الدكتاتورية الناشئة » نشرَ ظلماتها على ما تبقّى من أشعة الشمس ».

وهم،ببساطة أشدّ، من لم يقم بالثورة، ومن لم يشارك في جميع مراحلها، ومن باستطاعته القول: »لن نترك السلطة المؤقتة التي وصلنا إليها بالصدفة المحضة وبالانتخابات أيضا » لان « الخروج على الحاكم حرامٌ..شرعًا » خصوصا بعد أن وصلنا نحن إلى سدة الحكم ».

نحن من أخرجهم من السجون، وأتاح لهم العودة من المنافي والمخابئ ومن معسكرات الجاهلية وكوابيس الخوف،ومكّنهم من حرية التنظّم الحزبي العلني، عسى إن يفهموا،للمرة الأخيرة، إن خلط الدين بالسياسة لا يمكن أن يطبخ سوى أكلات مسمومة وقاتلة..

وهم من نكثوا وعودَهم جميعها،وتماهوا مع المطلقات، معوّلين على جهل العامة والمتعصبين، حتى غدا مجرد نقدهم و الاعتراض على أقوالهم وأفعالهم نوعا من الكفر الذي يستوجب القتل.

نحن، باختصار، من أسقط الدكتاتورية.

وهم، بالتمام والكمال، من افتتح المرحلة الانتقالية بقرع طبول الدكتاتورية منذ أول يوم جلسوا فيه على مسامير الكراسي.

-2
هذا هو مشروعهم الأمريكو ـ خليجي / الدولارو ـ نفطي،الذي لا نعرف مقدار انخراط، أو عدم انخراط، مخابراتنا وقياداتنا العسكرية والأمنية فيه، بحكم تكتّم قادتها على تفاصيل الأجندة المقتَرحة لإفشال الثورة التونسية حتى لا تصل إلى أهدافها، ولا تؤسس ديمقراطيتها ودولتها المدنية،وحتى لا تكون نموذجا للثورات العربية الموالية لها.

لقد بات واضحا،من الناحية الإستراتيجية للامبريالية والصهيونية العالميتين ، إن الطريق السريعة التي تربط بين تل أبيب ومكة،من ناحية، وبين أمنيات الاسرائليين وقلوب الشعوب العربية،من ناحية أخرى، لا يمكن أن يقع تدشينُها قبل الإجهاز النهائي على الثورة التونسية ومن ثمّ على باقي الثورات العربية.

كما بات واضحا،من الناحية السياسية المحلية، أن الحكومة المؤقتة التي تسيّر الشأن العام، بعجرفة وصلف لا مثيل لهما،وبقلّة كفاءة نادرة، ما هي إلا حكومة احتلال بأتم معنى الكلمة. وإلا ما الذي يجعل الثوار والديمقراطيين والمواطنين التونسيين يستذكرون مصير الهنود الحمر، في قارة كريستوفر كولومبوس، قبل خمسمائة عام ونيف من وقائع الثورة التونسية؟

-3
لكي تكون الحكومة حكومة احتلال، عليها إن تستولي على الدولة وعلى السلاح، وأن تُغير على الثروة، وان تشرع في تغيير ثقافة السكان الأصليين بالعنف الشديد.

وعليها ـ قبل ذلك كله ـ التبشير بأن الله أو الملائكة أو الجن قد أرسلها لأنْسنة حيوانية الشعب الذي تحتلّه.

أوَ ليستْ هذه هي فعائل « حكومة النهضة »، المطعّمة بأشباحٍ لبعضِ نساءٍ ورجالٍ من « الترويكا » الحاكمة، والمعمّدة بنظريات وهابية وأخرى عثمانية،والمتبرّجة بأموال لا يعرف إلا الوسخُ ذاتُه مقدار قذارتها وخطورتها على مصير تونس والتونسيين ؟

-4
في عصر الافتخار بالرؤوس المعمّمة، وبالأجساد المكفّنة رغم أنها لا تزال على قيد الحياة،وبالأدمغة الفارغة من أي تعليم أو ثقافة، تكاد تونس تفرغُ من التونسيين والتونسيات، الذين سكنوها وفلحوها وعمّروها لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وتتحوّل إلى محميّة أنجلو ـ خليجية يسكنها نصف شعب من « الكفّار المنعوتين » ونصف شعب من « التقاة المزعومين ».

وحين نتثبّتُ في أسباب هذا الانشطار السكاني لتونسيي ما بعد الثورة، لا نعثر على سبب أكثر إقناعا من استفحال مرض النبوءة لدى قادة الحزب الحاكم، الذين عملوا كل ما في وسعهم من أجل أن تُضافَ أسماؤهم إلى « الشهادتيْن »، وحين لم يظفروا إلا « برضيَ الله عنهم »، من باب النفاق والتزلّف، سلّحوا العامة بلحيّ وجلابيبَ وسيوف وعصيّ ومصروف جيب، وسخّروا، لمؤازرتها، أجهزة الدولة: الإدارية منها والقمعية على حد سواء.

-5
قبل التنظّم وإعادة الانتشار والمحاولة،تحتاج الشعوب المغدورة في ثوراتها، إلى التأكّد ممّا إذا كان مبدعوها ونخبُها قادرين على مقايضة الاستسلام بالمقاومة ومواجهة الاستبداد بالاستشهاد..وبمجرّد أن تقطع هذه الشعوب دابر الشكّ،ولا يعود لديها مقدار ذرّة واحدة من الرّيْب في أن لغة الإبداع والتاريخ تقفُ معها والى جانبها، تباشرُ مهامها في استكمال الثورة..لكن: دفعةً واحدةً.. هذه المرة.

والناظر في الحراك التنظيمي للقوى الثورية والديمقراطية في تونس، هذه الأيام، يلاحظ عملها الدؤوب من أجل إثبات إن الحرب الأهلية ليست قدرا محتوما في مراحل الانتقال الديمقراطي،كما يلاحظ استعداداتها النفسية والبشرية لتعطيل مفاعيل هذه الحرب قدر الإمكان وان كانت مظاهرها بارزة للعيان، وذلك بحمل « الدكتاتورية الناشئة » على استكمال صياغة الدستور بشكل عصري وبمحتوى مدني، والذهاب مباشرة وتوًّا إلى انتخابات حرة شفافة لا « قطر » فيها ولا « سي.اي.آي » ولا « صهيون » ولا « ميليشيات ».. ولا »أموال » تأتي مع الريح ولا تعود مع الريح !!

6-
ما من مصيبة أكثر فداحة من مصيبة تفقّد التونسي لجواز سفره صبيحة كل يوم، وفي ذهنه أن بلاده لم تعد بلاده بما فيه الكفاية، وأن قراصنة وتَتَارًا وشطّارا وعيّارين،من نفس بلده ومن نفس لغته ومن نفس دينه، مصرون على بتر أعضائه وخطف أولاده..عقابا له على تقديس الكرامة والحرية لكونهما شعاريْ ثورته الشخصية والشعبية !

وما من دستور أكثر فاشية من دستور يتذرّع بمقدسات الشعب ليبني نظامه الأوتوقراطي بشكل عمودي مخالف،كليا، لأفقية الديمقراطية والمواطنة،مع العلم أن هذه المقدسات تتراوح، عند الشعوب،وعلى مر التاريخ، من الله والأنبياء إلى المغنّين وفرق كرة القدم، مرورا بالوديان والجبال،تعريجا على الحشيش والأولياء الصالحين،وصولا إلى حقوق الإنسان والديمقراطية ذاتها !!

-7
منذ أن صكّ أثرياء العرب أول فِلْسٍ من النحاس وهم يعبدون المال ويتبرّكُون به ويتقاتلون من أجله.

المال:سلطة إذن.

وقد كانوا من الدهاء بحيث خاطوا حكاما على مقاسات مصالحهم..ثم زيّنوا للفقراء أن العبودية هي الطريق المفروشة حريرا إلى جنة الخلد، وان الثورة هي مفتاح جهنم الحمراء.

منذ تلك الواقعة لم يعد الحديث مع الله ممكنا دون المرور بحرس الحاكم، وببنت الحاكم، وبأخ الحاكم، وبصهر الحاكم، وبحلاق الحاكم، وبطبيب الحاكم، على أمل الوصول إلى عرش الحاكم.. المزدان بغريزة الاستبداد وبكفر الإيمان.

غير أن هذا التاريخ قد تبدّل، رأسا على عقب، منذ اندلاع الثورة التونسية، ولم يعد أمام الحكام المندسين داخل أموال الأثرياء،وأمام الأثرياء المندسين داخل سطوة الحكام، من سؤال غير هذا السؤال المضاد للراحة والنعاس، والمنغّص للذّة الحكم، والمُبيد لِدُودَة « مدى الحياة »:

ـ بأية طريقة ستتم معاقبتنا إذا نحن ـ ومن أجل الحفاظ على السلطة ـ افتعلنا فتنةً استخباراتية ؟ أو حربا أهلية ؟ أو قتلنا جزءا من الثوار بالطريقة التي سنقتلهم بها.. بعد أن فشلنا في إثبات أننا ننتمي، بالفعل إلى أدبيات القرن الحادي والعشرين

Une réponse

  1. Selmi Mohamed CHATTY
    | Répondre

    Je suisc épaté par les écrits de Sghaier Oule Ahmed et de mon ami Naceur B. Cheikh, j’espére qu’il puisse se rappeler de moi depuis les année 1970 à l’ITAAUT.
    Je vous demande de bien me permettre de vous participer ces conversations, discours et écrits
    SELMI MOHAMED CHATTY ARCHITECTE ITAAUT
    ARIANA

Répondre