ثورتنا لها رب يحميها و لا خوف عليها إلا من الذين نصّبوا أنفسهم حماة لها 25 فيفري 2011

with 4 commentaires

منذ اليوم الأول من ثورة 14 جانفي 2011 كتبت نصا مقتضبا في شكل افتتاحية نشرته على واجهة حسابي على الفايسبوك وعلى موقعي على الواب أوضحت فيه بأن ثورة تونس فريدة من نوعها ولا يمكن لا تصديرها من طرفنا نحن ولا توريدها من طرف الشعوب العربية الشقيقة. لأني كنت و ما زلت أعتقد أن من الخطأ اعتبار الشعوب العربية شعبا واحدا وأن الطريقة التي أنجزت من خلالها الثورة التونسية لها من مواصفات الإبداع الخصوصية ما يجعل من الصعب إعادة إنتاجها من طرف شعب آخر بالرغم مما يمكن أن نعدّده من مظاهر التشابه بين مختلف الشعوب الشقيقة التي يربطنا بها العرق الواحد المفترض واللغة الأم المشتركة ودين القران الذي تؤمن به أغلبياتنا المختلفة.
و لاحظت بعد ذلك كيف أن ما أقدم عليه العديد من الشبان بالجزائر ومصر و اليمن من إعادة لما قام به محمد البوعزيزي من التضحية بنفسه على معبد الكرامة لم يتسبب في إذكاء نفس الشرارة المقدسة التي حملت ثورتنا من العمق. فما وقع في مصر و ما هو بصدد الوقوع في ليبيا ليس شبيها بما وقع بتونس على أساس انتشاره عن طريق العدوى. ومن الضروري أن نحذّر من تقليد ثوراتنا المختلفة بعضها البعض. لأن التقليد نقيض الإبداع و لا يسمح بالإنتاج الفعلي للتاريخ من طرف الشعوب.

و ما تشير إليه مواقف بعض شرائح المتعلّمين من المجتمع التونسي يدلّ على أن التقليد لا يتمثل فقط  في إعادة التالي لما قام به الأول بل كذلك في تقليد الأول للتالي بعد أن يترك نفسه يتحول إلى صدى لأحداث لاحقة أبهرته مظاهرمظاهراتها الاحتجاجية المليونية. وعندها يفرط في زمام المبادرة الذاتية ويستكين لفعل الإيديولوجية فيه، متخليا عن ثورته التي لم تكن إنتاجا لأي إيديولوجية من التي كانت وما زالت تباع على الساحة السياسية. فبعد أن « ألهمت » ثورة التونسيين إخواننا المصريين فأنتجوا بدورهم ثورتهم الخصوصية لاحظنا كيف « تلقّف » المعتصمون بالقصبة ما وقع بساحة التحرير بالقاهرة أسبوعا بعد تولي المجلس العسكري زمام السلطة بمصر محتفلين « هم أيضا » بمرور شهر عن إزاحة بن علي عن السلطة.

والاعتصام المليوني بساحة التحرير بالقاهرة يمثل حدثا مختلفا في دلالته يصعب توريده دون المسّ من الخصوصيات التي سمحت لثورتنا أن تستمد فاعليتها منها.

فالمصريون بعثوا برسالة للمجلس العسكري فحواها انه بمقدورهم أن يعيدوا الكرّة و أنهم يبتغون تأسيس نظام جمهوري مدني في بلاد مرت من النظام الملكي إلى نظام عسكري بدأ « ثوريا » مع عبد الناصر و تحول إلى دكتاتورية حسني مبارك. و خوف الجماهير المصرية من أن يقع الالتفاف على ثورتهم شرّعه قرار المجلس العسكري بأن تقوم الحكومة المعينة في عهد مبارك بالاستجابة لمطالب الثورة التي نادت بإسقاط النظام العسكري و ليس بأحد رموزه المتمثل في حسني مبارك. أما بالنسبة لتونس فإن  الجمهورية المدنية التي تأسّست إثر إطاحة المجلس التأسيسي بالنظام الملكي الحسيني بتونس كانت « متقدمة » بحقبة عن كل الأنظمة « الثورية » العسكرية الانقلابية المنبع المتمكنة من مصر منذ انقلاب الضباط الأحرار تحت واجهة الجنرال محمد نجيب و التي تلاها انقلاب عبد الكريم قاسم بالعراق و الجزائر منذ أن أطاح  جيش التحرير بحكومة بن خدة يوم عودتها من تونس إلى عاصمة الجزائر واليمن و ليبيا وموريطانيا.

ومن الضروري أن نفهم في العمق طبيعة كل هذه الأنظمة التي يقال إنها مرشحة لان يمسها المد الثوري الذي انطلق من تونس. وذلك -حسب رأيي- ليس من باب التكهن بما يمكن أن تؤول إليه « ثورة الشعوب العربية على أنظمتها  » بل لنعي ابخصوصية ثورتنا و نتمكن من حمايتها من فعل المؤدلجين الذين يبتغون الالتفاف عليها بدعوى الدفاع عنها.

وهو ما معناه انه من واجب الشباب التونسي أن يكون يقضا و متسلحا بما فيه الكفاية من الحسّ النقدي حتى ينأى بثورتنا عن العدوى الثورية المضادة  والتي تتسبب في توريد الثورة المصرية إلى تونس.

و لا اعني بذلك أني بصدد المقارنة بين الثورتين الشقيقتين واعتبار إن إحداها أكثر تحضّرا من الأخرى كما تجرّا على قوله العسكري عمرسليمان لما ادعى أن المصريين ليسوا مثل التونسيين الذين لم يحترموا رئيسهم و أجبروه على مغادرة البلاد. بل القصد مما أقوله هو التعرف الموضوعي على خصوصية كل من الثورتين حتى لا نوقع بمسارهما الضرر بإسقاط واقع الأولى على الثانية أو واقع الثانية على الأولى.

والمتأمل في تسلسل الأحداث التي مرت بها الثورة المصرية يمكنه أن يلاحظ كيف وقع تجاوز المثال التونسي بعد أيام قليلة من بدء الثورة  بالعود إلى مرجعياتها  الوطنية والتي يرمز إليها نشيد الثورة المصري « بلادي بلادي…. »([1]). و سرعان ما تحول التركيز على عدد المتظاهرين متجاوزا الانطلاقة الشبابية للثورة واضعة في الميزان البعد الديمغرافي لمصر بتفعيل « صورة حقيقية » للشعب المصري الذي « جاء بالملايين »  يعلن أمام العالم عن سحبه ثقته من النظام. مما أعطى لهذا المطلب صبغة ثورية مدنية و قلب مفهوم الثورة الذي احتُفِظَ به من الفترة الناصرية رغم تحول النظام العسكري إلى نظام وطني انعزالي مع السادات وليبرالي دكتاتوري مع حسني مبارك. وفهم ضباط الجيش أن لا خيار لهم إلا مساندة ثورة الشعب بعد الاعتراف بأن ثورة الجيش وقع القضاء عليها نهائيا اثر تفريغها من محتواها وتحويلها إلى نظام حسني مبارك.

وكل ما وقع بعد ذلك مثّل مراحل الاعتراف المتدرج من طرف « الجيش-الدولة » بالثورة الشعبية المدنية. و اتخذت الأحداث منحى « تفاهميا » مبنيا على ضغوطات متبادلة بين الضباط و »الشارع المليوني » مما ضمن للضابط حسني مبارك البقاء الرمزي بمصر والاستجابة إلى مطلب الشعب في تأسيس جمهورية مصر المدنية الديمقراطية.

و خلافا للنظرة الميتافزيقية التي تقول بأن التاريخ طريق سيارة تتسابق فيها الشعوب والحضارات يقع فيها تقليد السابقين من « الأمم المتقدمة » من طرف « المتخلفين » (في السباق) ليتمكنوا من « اللحاق بركب الحضارة »([2])  يمكن القول بأن لكل شعب تاريخه لا يمكنه المساهمة في إنتاج التاريخ الإنساني المشترك إلا بالتجذر في نسقه الخصوصي. لان انتاج التاريخ ابداع . و الثورة المنتجة للتاريخ ابداع او لا تكون.

و الخطر على الثورات الاصيلة يكمن في  ما يفعله بها المؤدلجون من ابناء شعوبها والذين يدعون بانهم « حماة الثورة ». فليبداوا بحماية الثورة من انفسهم.

فالثورة التونسية مثل البيت الذي بمكة لها رب يحميها. وحماة الثورة بلجانهم يذكروني بجمعيات المحافظة على القران الكريم والتي تدعي تعويض الله في الحفاظ على كتابه. فأقنا يا رب من الشرك و من الشك في قدرتك على حفظ كتابك وعلى حماية بيتك. و احْمِ ثورة شعبنا من كيد المدّعين غير المبدعين


[1] و الذي يختلف عن النشيد الرسمي لجمهورية عبد الناصر العربية المتحددة. و لنشيد الثورة المصري دلالة خاصة بالنسبة لعامة الشعب المصري لان إذاعته  اثر حرب 67 كان بمثابة إعداد الرأي العام لتقبل خبر الهزيمة و دعوة المصريين إلى اعتماد القيم الوطنية المصرية و التخلي عن الايديولوجية « العروبية » التي انهزمت ضمنيا بهزيمة مصر عبد الناصر

[2]وهي نظرة اعتمدت من طرف الدولة البورقيبية لتشريع برامجها التنموية المخططة المتتالية

4 réponses

  1. […] This post was mentioned on Twitter by Houssein, Maghreblogs. Maghreblogs said: [Tunisie] ثورتها لها رب يحميها و لا خوف عليها الا من الذين نصبوا انفسهم حماة لها: منذ اليوم الأول من ثورة 14 جان… http://bit.ly/eAW0Ls […]

  2. ridha bahri
    | Répondre

    سيدي لا أختلف معك فيما قلت لكن ماهي قراءتك لما يقوم به البعض من جر الثورة الى الوراء و طمس معالمها و خصوصيتها النبيلة؟

    • Dahrann
      | Répondre

      I’m not easily impressed. . . but that’s ipmresnisg me! 🙂

  3. فهمي بنكريم
    | Répondre

    الثوزة متواصلة ولن تكون ثورة الا بالتواصل .يا شيخنا المطامع كثيرة من الداخل والخارج .ولا بد من التوعية بدلك وهدا ما نحاول القيام به

Répondre