مستنقع السلطة التشريعية وضرورة صحوة الأحزاب الحاكمه
on 5 août 2019
with
Aucun commentaire
الآن وبعد أن تحرر الباجي من ثقل واقعه البشري بمروره من الدار الدنيا إلى الدار الآخره تحول ما قام به من عمل صالح لفائدة وطنه إلى ميراث جماعي يتساوى كل التونسيين في استثماره بغاية مواصلة الترشيد السياسي لمجتمع أوجد نفسه من حيث يدري أو لا يدري أمام تحديات إستحقاقات التنظيم السياسي الديمقراطي. والتنظيم المجتمعي الديمقراطي ليس معطى ولا يعتمد بناؤه على التطبيق الطوباوي للقانون الموصوف بالطبيعي الذي تشرعه الأديان بل على القانون الوضعي الموصوف بالإيجابي والذي يستمد « شرعيته » من القانون الطبيعي بعد أن يأخذ « المشرع الإنسان الإجتماعي » في الحسبان الإرهاصات الموضوعية لتفعيله على أرض الواقع دون اللجوء إلى التسلط على الرقاب « لإدخالهم الجنة بالسلاسل ». و خطابي هذا لا أنزّله في خانة التحاليل السياسية التي ترصد الواقع السياسي بواقعية لتخرج باستنتاجات عملية في ظاهرها و مثالية في طبيعتها لعدم قدرتها على الرؤيا التجاوزية للوضع السياسي المأزوم الذي نعيش . فالتجاوز لا يقدر على إستشرافه إلا السياسي المثقف المبدع. فالبراڤماتية السالكة والتقدمية في الحقل السياسي تشبه ما يسمى ب »الإنشائية » في علم الجمالية المعاصرة. و التشابه ليس التطابق لأن الحقل السياسي يختلف بالضروة عن الحقل الجمالي. فالتشابه مع الإختلاف بين الإبداع الفني والإبداع السياسي يتمثل في كون كل منهما يعتبر ممارسة تتصل بالغايات القصوى دون القفز على الغايات الآنية. وهو ما يعبر عنه بالعلاقة التكاملية بين البعدين » التكتيكي » و » الستراتيجي » في الممارسه السياسية غير » الواحلة » ( التي تتحرر من وحل الواقع السياسي المأزوم) بالكشف في الثنايا غير المرئية للواقع (و المحجوبة عن رؤية السياسيين المسكونين بأناواتهم المتضخمة) عن عوامل التجاوز و شروطه. ويبدو لي أن الرئيس الباجي قايد السبسي كان أُفُقُه الستراتيجي إنجاح الثورة بإنجاح التحول الديمقراطي. وطريقته في الوصول لغايته هاته تمثلت في ممارسة تكتيك براڤماتي للتخلص مما سماه في أول حديث له بعد تعيينه وزيرا أول ب « الأعشاب الطفيلية » التي علقت و ستعلق بالثورة . و باعتبار موقعه الرمزي في السلطة بعد إنتخابات 2014 (ونظرا لما منحه دستور التوافق من أهمية لسلطة « نواب الشعب المنتخبون » الغارقون جلهم في أناواتهم المتضخمة التي جعلت منهم أعشابا طفيلية خنقت الثورة و عطلت الحكومات ومررت عدوى الإنتهازية إلى المحيط العائلي المباشرللرئيس الباجي قايد السبسي في شخص إبنه المعاق ) وجد صعوبة موضوعية كبرى على المستوى التكتيكي في إنجاز ما كان يطمح إليه من إرساء منهجي للديمقراطية المتقدمة التي كان ينوي تتويج تونس البورڤيبية بها و يضمن دخوله التاريخ من الباب الواسع. و ممارسة التكتيك السياسي في خدمة الستراتيجيا تتطلب تنسيقا ضمنيا وفعليا بين مركزي السلطة التنفيذية للتغلب على الصعوبات التي تضعها أغلبية النواب المصنفون كأعشاب طفيلية في طريق هاته السلطة بمركزيها. و على هذا الأساس يمكن تفهم إقبال الباجي على تصعيد الشاب يوسف الشاهد إلى الواجهة لما توسمه فيه من كفاءة تجعله قادرا على التنسيق معه خدمة للآفاق الستراتيجية المذكورة أعلاه. و كان ما كان من استفحال تمكن الأعشاب الطفيلية من قلب حزب نداء تونس وقطع إمكانية التنسيق بين رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة وجعل الدولة مرتعا للمافيات البرلمانية و الحزبية و غير الحزبية حولت العمل الحكومي إلى مقاومة يومية للهرسلة المركزة التي تقوم بها كل الأطراف المتكالبة على السلطة و المتآمرة على المسار الثوري الديمقراطي لما يمثله إنجاحه من خطر تعرية الجرائم التى ارتكبوها في شأن الوطن . وقد يكون لمفعول هاته الهرسلة اليومية أثر سلبي على ر ئيس الحكومه الشاب فأربكه وجعله يشارك بدوره في الحراك السياسي الحزبي المأزوم بعدم الأخذ بنصيحة الباجي لما عرض عليه التراجع عن بعث حزب جديد سيكون بالضرورة رهينة للتحالفات السياسوية المشبوهة إستعملها النهضويون كملاذ آمن بعد أن تخلت الرئاسة عن سياسة التوافق معها . وكانت ملاحظة الباجي على نية يوسف الشاهد بعث حزب »يتجمع » فيه مؤازرو حكومتة أن بن علي قام بذلك قبله مشيرا إلى أن الحزب الذي يُؤسَّس لضمان البقاء في الحكم محكوم عليه بأن يكون « حزب الحاكم » ولن يتمكن من التحول إلى « حزب حاكم » بالفعل.
Répondre