Nuances : فُوَيْرِقات: إسلام التحرير بالتنوير والترجمة ليست التعريب

with Aucun commentaire

حتى أكون أكثر تدقيقا لتأويلي لما نعيشه اليوم بتونس أشير  إلى موقف النخبة الُمسْتَغرِبة و التي يمنعها استيلابها الايديولوجي من إمكانية  التوفيق الابداعي و ليس التلفيقي بين فلسفة الأنوار الغربية و » إسلام التحرير بالتنوير » واستعمالي لحرف الباء عوضا عن حرف الهاء يجعل هذا الوصف للإسلام أقرب لما أسميه بإسلام كل من بورقيبة و الآمير عبد القادر مما يشار إليه تحت عنوان « إسلام التحرير و التنوير » وهي تسمية مرجعها الفكر السني التونسي و بخاصة ما كتبه محمد الطاهر بن عاشور لأن عملية التحرير هي في الواقع نتيجة لتنوير العقول و ليست محاذية لها، كما قد يوحي به عنوان كتاب التفسير الذي وضعه الشيخ الزيتوني المستنير.

و الاستيلاب يعاني منه أغلب المحسوبين على الفكر « التقدمي » و الذين ينتمون للفرنكوفيين و مستعملي العربية على حد السواء. لأن التغريب الذي يصيب العرب الذين يتعاملون مع الفكر الغربي بعد » تعريبه » كثيرا ما يكون أشد استيلابا مما قد يصيب مستعملي اللغتين الذين قد يسمح لهم التموقع المثنى من اعتبار البعد الضروري للموقف النقدي الذي يمليه العقل. فترجمة فكر الأخر تختلف عن تعريبه لأن لفظ تعريب له شحنة ايديولوجية تحرم القائم به من تعاطي الترجمة دون خلفيات هوياتية نضالية. فبيت الحكمة في عصر المأمون عمره مترجمون جلهم غير عرب فترجمة التراث العالمي للغة العربية لا ينبغي أن تكون الغاية منها تعريب هذا التراث و الاستدلال على أن « لغتنا » العربية قادرة على احتواء الانتاج الحضاري الذي يبدعه الآخر. لأن الغاية من الترجمة فتح الآفاق و الغاية من التعريب أساسها منطق التحدي المسكون بالانطواء على الذات و بالهزيمة الحتمية.

و من هنا نفهم الأسباب الفكرية العميقة التي جعلت الفكر البورقيبي يعارضه كل من  » المحافظين السنيين » و ليسوا كلهم مستنيرين مثل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور و التقدميين الذين يعتقدون خطأ وأن العقل النوراني الذي تتجذر فيه فلسفة الأنوار و الماركسية ألأصلية من قبل أدلجتها من طرف الماركسيين لا علاقة لهما بالفكر الديني في مفهومه الصوفي الذي أدخله سبينوزا لدائرة الفكر الغربي انطلاقا من التصوف العبري العربي الذي عرفه هذا الفيلسوف الهولندي ذو الأصل البرتغالي في فترة شبابه التي قضاها بشبه الجزيرة الايبرية ايام كان العرب المسلمون ينتجون حضارة الأندلس التعددية المنابع و الآفاق.

و معارضة الفكر البورقيبي لم يقم بها معارضوه السياسيون من المنتمين لتيارات المعارضة بل قام بها كذلك معارضوه من الدستوريين المستغربين من الذين شركهم في الحكم فاصلا بين « شخصه كمفكر طوباوي صرح بأنه سيفهم بعد أربعين سنة أو أ كثر و بين صفته كرئيس دولة يسوس البلاد بحكمها عن طريق تفعيل كفاءتها المختلفة و المتاحة، تاركا للبعض منهم حرية أدلجة  » الفكر الحزبي الدستوري » الذي ينسب إليه تعسفا و تحويله إلى وسطية جامدة و اشتراكية دولة ثم إلى ليبرالية اقتصادية دون الإقدام الضروري على مواصلة تحرير العقول وإذكاء الفكر النقدي بين شرائح الشباب و هو ما تسبب في الخندقة الايديولوجية للجامعة بين يمين و يسار اكتفت الوسطية الجامدة للحزب الحاكم بتشجيع الطرفين على التناحر و متخلية عن دورها التوفيقي الصعب ذي الصبغة الطوباوية المساعد على التجاوز الضروري. هذا التجاوز الذي بدونه لا يمكن لأي مشروع مجتمعي ثوري أن يكتب له النجاح . و التجاوز يكون بالعمل على ضمان التوافق البناء بين كل القوى المنتجة المعيدة لإنتاج المجتمع والأقلية المبدعة التي تسمح بفتح الآفاق الجديدة دون القفز على الواقع.

Répondre