وا إسلاماه !

with 6 commentaires

يمثل النداء للصلاة أو الإعلان عن موعدها، عن طريق المؤذن،ما يميز تعاملَ المسلمين مع الُمقَدَس في صيغته التعبُدية ويجعل من شكل هذا النداء نُقلة نوعية في كون الأذان هو أولا تذكير بالشهادة و دعوة للسامع بأن يتخذ من وِجْهَة ربه قِبلتَه مُعَبِرا عن أنه لن يكون بحق خليفة الله على الأرض إلا من خلال قَبوله بأنه عبد الله

فبينما يعتبر أتباع الديانات السماوية، السابقة للرسالة المحمدية، الرَبَ « شريكا » يُبادلهم القول بالرغم من اعتباره لامرئيا بالنسبة لليهود  أو « أبونا الذي في السماء » بالنسبة للمسيحيين، يشهد المسلم بأن لا إلاه إلا الله وبأن محمدا ابن عبد الله عبدُه و رسولُه. وهو بذلك يؤسس حريته على الإقرار المبدئي بعُبودِيته و الإعتراف بحدوده وبدَيْنه و بقَدْرِه الذي يجلس دونه.

و عن طريق محمد ولغته العربية ينتمي المسلم، رمزيا، إلى سلالة « سميع الله »إسْمَعْئِيل إبن إبراهيم الخليل من هاجر المصرية.  فالعُروبة هنا لا تُحيل على عُنْصَرٍ بشري بل على لسان العرب الذي وقعت ترجمة الوحي الرباني من خلاله إلى كتاب تُمَكِن قراءته، من طرف البشر، من سماع كلام الله. كما أن نص الكتاب، المتكون من آيات و سُوَرٍ، له بعد رمزي بوصفه « تعبير » في لغة عرب الحجاز، في فترة تاريخية معينة، عن واقع إلٰٰهي يتجاوز فهمه ملكة الفهم. وهو ما يجعل كل تفسير له تأويلا بالضرورة،  من شانه أن يُبْعِدَ المؤوِلَ والقارئ لتأويله عن كل تفكير إطلاقي  قد يُسْقِط كلا منهما في الشرك.  فالتوكل على الله، الذي يُقَرِرُه البشر في بدء أعمالهم ،  قد يعني أن خلافة الله تختلف عن نيابته؛ لأنه، خلافا لموقع النائب الذي يقال في شانه بأن « نائبه كهو » فإن الخلافة تتخذ بعدا رمزيا يتمثل في الإتكال على الله والتَعْويل على الذات، في إطار الإجتهاد البشري الذي قد يخطئ أو يصيب؛ وفي كلتي الحالتين للمجتهد أجر مخصوص. فبقدر ما يُمثل إستخلافُ الله لآدم على الأرض تواصل الإبداع بين المعبود والعبد، مع اعتبار الفرق المطلق بين المقامين، يكون الآمِرُ باسم الله الذي يُقْدِم على تنفيذ أوامره في بقية البشر، إنطلاقا من الدلالة « الواضحة » لكلمات الخالق الغير القابلة للتأويل،  في موقع نائب الله على الأرض الذي يدعي « أنه » (العبد الحاكم باسمه) « كهو » (الخالق المعبود) و يسقط في الشرك. فالله سبحانه و تعالى أعلى وأكبر من كل المتحدثين والحاكمين بإسمه،  و ليس في حاجة للذين يَدَعُون الدفاع عن دينه من التأويل الُمغْرِضِِ  والحفاظ على قرآنه، الذي أنزله على نبيه وأكد فيه أنه له حافظ.

و بالنسبة لاستعمال مضخمات الصوت للإعلان عن مواقيت الصلاة، و بعد الأخذ في الاعتبار هذه المقدمة التوضيحية حول البعد الإنساني العميق الذي يميز الدين الإسلامي،  يبدو لي وأن التطرق لهذه القضية من باب « التلوث الصوتي » و « الصحة الجسدية و النفسية » للمواطن، كما يقوم به البعض ممن يحسبون أنفسهم على العقلانية الخالية من النور، قد غيب عن الأذهان ضرورة التفكير الجدي فيما طرأ على الإسلام من سطو إعلامي، يراد منه توظيفه في خدمة مآرب سياسية، وذلك بتحويله إلى أداة ِتجنيد و »تحزيب » بعد تفريغه من أبعاده التحريرية الروحية ،  المحفزة على الإجتهاد الضروري والمتواصل ،  بالدعوة الصريحة إلى التَفَكُر والتَعَقُل.

و بقطع النظر عن أحقية المطالبة بتخفيت أصوات المضخمات أو اعتبار ذلك « مقدمة لمنع الأذان »، ما يمكن قوله في  تمرير الأذان بمضخمات الصوت، ابتغاء لفاعلية النداء، هو أنه، في حد ذاته، يتسبب في تغيير نوعي لما ميز النداء الإسلامي للصلاة، إلى حدود استعمال المضخمات

فالأمر الذي من واجبنا التذكير به اليوم، هو ذاك البُعْد الرمزي العميق بإبعاده الإنسانية وبدلالته الدينية والسياسية الثورية التي إتصف بها نداء الحبشي بلال إلى الصلاة الجماعية الأولى بمسجد المدينة الذي لم يقع بناؤه بعد. فـالصورة « المرجع »، للنداء الإسلامي للصلاة ،  تختلف جذريا عما تعود عليه اليهود والنصارى من نفخ في الأبواق و ضرب للنواقيس. وهي طرق تتصف بتَجْرِيدِيَتها وكأنها تختزل النداء للصلاة في تنقيط ديني للزمن، دون إعتبار ٍلكيفية تَقَبُل النداء من طرف سامعيه. أما بلال، الذي حرره الإسلام من عبودية البشر للبشر،  فقد قام و بأمر من الرسول،  بنداء من حوله من المهاجرين و الأنصار إلى الصلاة، بالبدء بالشهادة، مؤكدا بالقول انتماءه للدين الإسلامي المحمدي و داعيا سامعيه للصلاة المشتركة و الجماعية الجامعة.

فالأذان في جوهره يبدو تذكيرا بمواقيت الصلاة،  لا يصل إلى حد الأمر أو إجبار السامعين على القيام بها، بالرغم من كونها من الأركان الخمس. فكل الشعائر التي يقوم بها المسلم، لا تكتمل الغايةُ منها إلا بشرط النِيَة. وهذه الأخيرة لا يتمكن من عَقْدِها إلا الإنسان الحر، الآمر نفسه بالحلول في عمله، عن طريق الإقبال المسئول، دون ترغيب  أو  ترهيب.

وحتى إذا ما اعتبرنا أن زمن بلال قد ولى، و أننا نعيش اليوم عصرا يتميز بإضافة الإنسان، إلى أعضائه و جوارحه المختلفة، آلات متطورة لم يسبق للبشرية أن عرفت مثلها، تسمح بتضخيم الأصوات   و تسجيلها ونقلها وبثها على الأثير، فإن الأمر لا يتعلق، بالنسبة للأذان، بعملية « إعلام » بحلول موعد الصلاة،  بل ب »تذكير » تكمن أهميته في كونه خطابا  يقوم به مسلم  يبدأه بإعلان شهادته على الملإ،  قبل أن يدعو غيره من المسلمين إلى القيام بفريضة الصلاة .

وإذا ما سلمنا بان للأذان بعدا « إعلانيا إخباريا تنبيهيا » ستبقى مجانية استعمال مضخمات الصوت مطروحة، لأنه يمكن الاستغناء عنها باستعمال الإذاعة و التلفزة والصحافة المكتوبة و هو ما يجري به العمل حاليا.

ما ضر لو فتحنا في معاهدنا أللمتخصصة في تعليم الإسلام ومبادئه السمحة و شعائره المروضة للنفوس قسما جديدا يهتم بتدريس الأذان على قواعد موسيقية أصيلة تحبب الصلاة الإسلامية للمسلمين و لغير المسلمين باعتبار الأذان ظاهرة ثقافية وتعبيرا عن الأساس الروحاني لدين القرآن،  خصوصيته في كونه مُؤنِسًا مُؤَنْسِنًا  لعلاقة العبد بالمعبود. و عندها سيعي الجميع بان الصوت الجميل، عندما يكون صاحبه صادقا و عارفا بفنه في أدائه للأذان ليس بحاجة إلى تضخيم و أنه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الآن سيستوي الأمر بين مهرجي الأعراس و مؤذني المساجد……..وا إسلاماه !

الناصر بن الشيخ

6 réponses

  1. kharroubi
    | Répondre

    ترك بورقيبة في تونس جيلا بأسره من الفرنكوفونيين المنبتين الذين لا يعرفون اللغة العربية ومع ذلك يتصدرون اليوم كفقهاء للحديث عن الإسلام وعن التصوّف في نصوصه الكلاسيكية , ويتقدمون كمدافعين عنه وهم له كارهون…..غريب

  2. kharroubi jamil
    | Répondre

    ترك بورقيبة في تونس جيلا بأسره من الفرنكوفونيين المنبتين الذين لا يعرفون اللغة العربية ومع ذلك يتصدرون اليوم كفقهاء للحديث عن الإسلام وعن التصوّف في نصوصه الكلاسيكية ,فيتقدمون كمدافعين عنه وهم له كارهون. وكأن لسان حالك يقول أن الأستاذ المحاضر يستوى مع الفنانين مع « مهرجى الأعراس »لا لشيئ الا لأنهم يستعملون مضخمات الصوت…..غريب

  3. فهمي بنكريم
    | Répondre

    هدا اكتشاف تاكيدان الثقافة الاسلامية مبنية على السمع وليس النظر وانا اضيف ان الله سميع عليم اي ان العلم مرتبط بالسمع . اما الاكتشاف الثاني وهو ليس بالهين فهي الترجمة للوحي الرباني من خلاله لكتاب وانا اضيف ان الكتاب الدي في الصدور وهدا مفهوم القراني ثم ترجم لكتاب مسطور والان هو كتاب مسور كما دكرت في مقالك الاول.ادا ان السمع والفؤاد والعين والبصر اشياء نتفهمها لا نحقر من شانها الحضازي .والسلام

    • فهمي بنكريم
      | Répondre

      كما اني نشرته على الصفحة تفكيك حر وانت تعلم اني انا الدي اخرجته من ارشيفك الملاحظات على الفايسبوك مع الملاحظة الاخرى عن زها حديد التي ربما انشرها مرة اخرى الرجاء السماح لي بدلك .والسلام فهمي

  4. فهمي بنكريم
    | Répondre

    http://www.facebook.com/video/video.php?v=153518551378772&oid=197511630288759&comments vedeo interessant a propos democratie

Répondre