النهضة خسرت السلطة و مواصلة نقدها يعتبر تشريعا لللإيهام بمعارضتها الذي تمارسه السلطة ا القائمة

with Aucun commentaire

في أوائل  الستينات  ومن منطلق الواقعية السياسية الپرڤماطية، تخلى بورقيبة عن طوباويته الثورية المتمثلة في فتح السردية الإسلامية المحمدية الأصيلة للإجتهاد التأويلي الإنساني الذي يجعل دين القرآن صالحا لكل زمان و مكان  ويسمح  للأمّة  التونسيّة بالولوج في زمن معاصرتها التي تستحق. وقد أشار في خطابه الشهير بتاريخ 8 فيفري 1961 إلى ما وجده من عدم إقبال لدى الإطارت السياسية على تمشيه التأويلي الشجاع للنص القرآني و بعد أن خصص كل خطابه لتقديم رؤيته لما أسماه بالإسلام التقدمي ختم حديثه  بالقول  بأنه قدم رؤيته الثورية التقدمية للإسلام إستجابة لما يملي عليه ضميره من تنوير الشعب وتحرير العقول مما علق بها فترة عصور الإنحطاط من خمول و أنه إن لم يُفهم اليوم »فسوف يتم فهمه بعد أربعين سنةا ». فبورڤيبة السياسي الذي تولى المسؤولية انتهى به الأمر إلى التخلّي عن بورڤيبه المصلح الإسلامي التقدمي . وكما نبّه  إليه  في نفس الخطاب  تسببّ  هذا التخلي  في ترك المجال مفتوحا أمام المؤدلجين الذين وجدوا أنه من الأسهل اللجوء إلى هذه الخلطة  الشافية المتناقضة التي تتمثل في التوفيق بين « الأصالة والتفتح »       وإجبار أنفسهم على إتباع هذا الخيار المبني على الجمع التلفيقي بين المتباينين إطلاقا

ونتيجة لذلك، تم استبدال الإسلام التقدمي الذي أراده بورڤيبه  تعريفا للنظام الجمهوري الذي أسّس عليه الدولة التونسية الحديثة ، والتي رفض وصفها  باللايكية ،  بالخطابات السياسية السائدة، خطابات السلطة والمعارضة، ذات البعد الأخلاقوي  الغامض و المتمثل في مقولة الإسلام المعتدل والمتسامح »  يضاف إليه، حسب الظروف، الحب المسيحي للآخر. وباعتماد مفهوم الإسلام المعتدل ُينسى  المعنى العميق لمفهوم أساسي في الرسالة المحمدية وهو الجهاد الأكبر، وهو ممارسة يومية لنكران الذات و مقاومة النفس الأمّارة بالسّوء  والذي سيُسقَط  وصفُه بالأكبر على الرجل الذي أوصى شعبه بممارسته ووقع التعتيم عن « الجهاد » الأكبر بـ « المجاهد » الأكبر وحولوا بورڤيبة إلى صنم يُعبد ولا يُسمع

وهكذا، بعد إقصاء القيم التقدمية  للإسلام  السياسي البورڤيبي  من مجال الممارسة السياسية  ومن مبدأ العمل الإنساني الخيّر الذي « سيراه  الله ورسوله »،  سيتخلى كلّ من الماسكين بالسلطة، واستراتيجيي غزوها وتقنيي ممارستها عن أخلقة العمل السياسي بالعدول عن الجهاد الأكبر فتُرِك « الأفرادُ المعزولين » صنيعة أنفسهم الأمّارة بالسّوء  غير قادرين على تمثل الإرادة الحرّة  الواعية بحدودها و فريسة سهلة لتجار الروحانية المعلبة التي سوف يمطرونهم بها ، بشكل يومي، عن طريق العشرات من القنوات التلفزية الفضائية، مما يقضي على أي رغبة في التفكير بأنفسهم. وكما أوضح بورقيبة مطولاً، في خطابه الذي ألقاه في 8 فبراير 1961، والذي سوف يتناساه  نظام بورڤيبة نفسه بتطبيق  الرقابة الذاتية ومنع ترويج  النسخ الصوتية و المكتوبة  لهذه الوثيقة التاريخية المحورية  فإن التحييد السياسي للإسلام سوف يسبب « انقساماً داخل الأمة » (الكلمة لبورقيبة) وسيترك الباب مفتوحا أمام المغامرين الذين سيحولون إسلام المحافظين من الزيتونيين (وقيس سعيّد من ورثتهم) إلى إيديولوجية سياسية رجعية ستدفن الجهاد الأكبر تحت عنوان « الجهاد » المُؤَوَّل بالحرب المقدسة (حفظنا الله!) ضد المجتمعات المسلمة

اليوم وقع الضرر، وحدث الكسر.  و أولئك الذين  ناصبونا العداء الإيديولوجي منذ أعلن مفتي المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز تكفيره بورقيبة في عام 1974، قد اندفعوا من هذه الثغرة التي أحدثها تحييد إسلام بورڤيبه، و ذلك باستعمال عملائهم المغامرين السياسيين التونسيين لتوريد الإسلام  السياسي المدمر للديمقراطية. ولم يعد السؤال المطروح يتّصل بالوقاية من الداء، بل  بالتعايش مع المرض وعلاج السكان المصابين به. ولقد شكلت ردود الفعل الشعبية أثناء هبّة 25 جويلية التي  أطاحت بمنظومة الإخوان بتونس  نوعا من الأشعة السينية التي تظهر تراجع واضح للمرض وملاحظة حالة نقاهة مع مخاطر الانتكاس، في حال عدم التخلي عن أساليب المكافحة والوقاية، التي تم استخدامها بالفعل وثبت أنها غير كافية. ومن هذه الأساليب استخدام «التبشير المعتدل»، وجرعة الصدق والصراحة السحرية، والاستخدام غير المحدد للحلول الأمنية. ومن ناحية أخرى، ما يمكننا التأكد منه هو أن أفضل طريقة لاستعادة الصحة النسبية  لمجتمعنا،  هي تعميق ثقافة الحوار الديمقراطي داخله، من خلال  ممارسة سياسية  تنفي جميع أشكال الإقصاء والذهاب إلى أبعد من ذلك باعتبار أنه حتى أولئك الذين يستبعدون أنفسهم (باستثناء الأشخاص الذين تعتبر أعمالهم العنيفة جنائية) لهم الحق في العلاج السياسي، بهدف مصالحتهم مع الجسم الاجتماعي ككل. وإذا وجدنا أن هذا الخطاب الذي يتحدث عن الإسلاموية كمرض له صدى استئصالي، فأنا أقول إنه كذلك. لكن الاستئصال ليس مرادفًا دائمًا للعنف، وعندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الصحة السياسية للأمة، يجب الاعتماد على تعميم استخدام الحوار الحر وتعلم طريقة التفكير الحر،  الذي لا يكون غاية في حد ذاته، أو ذريعة تهدف إلى تعطيل  ملكة الفكر النقدي

Répondre