المفعول السلبي لاتحاد الفنانين على شاكلته الحالية. قراءة نقدية في تاريخ الحركة التشكيليةالتونسية المعاصرة par Naceur Bencheikh, vendredi 9 octobre 2009, 16:01

with Un commentaire

 

أتصوّر أنّ الحوار ما زال ممكنا حول الوضع المتردّي الذي يتخبط فيه اتحاد الفنانين التشكيليين منذ ما يفوق الثلاثين سنة.أي منذ تأسيسه في فترة من تاريخ تونس المعاصر تميّزت بتحوّل نوعي عرفه الاقتصاد التونسي. تحول من نمط إنتاج صفته الاشتراكية معلنة تغيّرت على أساسها تسمية الحزب الحاكم (من حرّإلى اشتراكي) إلى اختيارات ليبرالية ثبتت نجاعتها مدعمة بتوجهات اجتماعية و حضارية ضمنت للمجتمع التوتسي المعاصر صفته الوسطية. وهي صفة سمحت لتونس بأن تحقق ما حققته من نجاحات اقتصادية و اجتماعية واضحة للعيان.
والتذكير بهذا المعطى التاريخي ضروري لفهم المنهجية التي سأعتمدها في هذا النص في تحليلي للازمة المزمنة التي ما زال اتحاد الفنانين يتصف بها منذ تأسيسه أثناء الأشهر الأخيرة من التوجه الاشتراكي التعاضدي. ذالك أنّ ٳنشاء اتحاد الفنّانين في هذه الفترة يملي على الدارس الأخذ في الحسبان الأسباب والغايات التي وقع اعتبارها عند بعث هذه المؤسّسة الوطنية في ٳطار توجّه تنظيمي لمشاركة كل الفئات الاجتماعيّة في إنجاح المشروع الاشتراكي الذي كان يشترط حسب المشرفين عليه تغيير العقليات و رّؤية الوجود الموروثة عن فترات الانحطاط التي مرّت بها تونس والتي جعلت منها بلدا « متقبّّلا للاستعمار» بالمفهوم الذي  وضعه المفكر الجزائري مالك بالنبي.
غير أنّ هذا المعطى العام يجب أن يضاف ٳليه ذكر خصوصيات الساحة التشكيلية آنذاك و المتمثلة في المواجهة التي عرفتها هذه الساحة منذ بداية الستّينات بين جماعة ما يسمّى ب «مدرسة تونس» من جهة و مجموعات عديدة من الرسّامين الشبان أذكر منها جماعتي الستة و الخمسة اللتين تأسّّستا حول نجيب بلخوجه و«جماعة سبعين» التي تشير تسميتها إلى سنة تكوينها. كما تجدر الٳشارة هنا لضرورة التدقيق في توجهات كل من مجموعات الرسّامين الشبّان من جهة (والتي لم تكن موحّدة) والتوجهات الشخصيّة المختلفة لكلّ واحد من الرسّامين المنتمين لجماعة «مدرسة تونس» والذين لم يكن يجمع بينهم إلا همّ الدفاع المشترك عن المواقع المكتسبة أثناء الفترة الاستعمارية والسنوات الأولى للٳستقلال.
و أرى من واجبي أن أضيف أنّ موقف المسؤولين السيّاسيين٬ على أعلى مستوى٬ من المسألة الثقافية لم يكن موحدا هو الآخر فبقدر ما كان المشرفون منهم على تفعيل توجهاتهم الاشتراكية يحاولون حشر الإبداع الفنّي في بوتقة الالتزام السياسي بقدر ما كان موقف رئيس الدولة واضحا في تدعيمه اللامشروط لمبدٳ تحرير المبدعين من أي وصاية سياسية. و لقد سمحت لي ظروف عملي كصحفي بالقسم الفرنسي للإذاعة الوطنية سنتي 67 و68 من تسجيل مواقف حيّة تدعم ما أقول سأذكرها بالتفصيل في غير هذه المساحة.
أما فيما يخصّ الظروف التي حفّت بتأسيس اتحاد الفنّانين التشكيليين فمن الضروري التذكير بأدوار كلّ من الرسّامين الزبير التركي من جهة و حاتم المكي من جهة أخرى.
فالزبير التركي كان في السنوات الأولى من الاستقلال مسيّسا محسوبا على اليسار التقدمي مثل الشاعر منور صمادح والرسّام عمّار فرحات ( انظر الصورة أسفله) وهو ما يفسّر تقديم كتاب يضم عددا من صور لوحات ملوّّنة معنون باسمه٬ صادر في أوائل الستّينات٬ من طرف ناقد فنّي تشيكوسلوفاكي٬ ميلوسلاف كرايني الذي يتحدث عن رسوم الزبير التركي بصفتها فن ملتزم يرسم الشعب للشعب توظيفا للنظرية الجدانوفية٬ مع ٳضافة « عروبة الشكل» التي تضمنها الانحناءات الخطية لهذه الرّسومات.
أما الفنان حاتم المكّي فقد جمع بين الالتزام السياسي الوطني التقدمي بالموازاة لالتزامه شبه العضوي بحرّية المبدع مما جعله ينخرط في تمشّ إبداعي يوفّق فيه بين مقتضيات الوظيفة التوعوية لٳنتاجه مع الاعتبار الضروري للإشكاليات التي تفرضها العملية الٳ بداعية. وهو ما لفت نظر الأستاذ الشاذلي القليبي الذي خصّه بنصّ نقدي لأعماله الفنية التعبيرية قبل أن يتخذه صديقا و مستشارا غير رسمي ٳثر بعث وزارة الشؤون الثقافية.
و من هنا يمكن للباحث أن يستقري الدلالات الغير المعلنة للطريقة التي اعتمدت لبعث اتحاد الفنانين التشكيليين بإيعاز٬ حسب شهادة زميل رسّام واكب الأحداث عن قرب٬ من الوزيرين أحمد بن صالح و الشاذلي القليبي. وهو ما يفسّر أنّ الجلسة العامّة التأسيسية الأولى أشرف على تسييرها حاتم المكّي والجلسات التي تلتها تمّت برئاسة زبير التركي. فيبدو أنّ وزير الثقافة قد أوكل لحاتم المكي مهمّة إبعاد التنظيم الجديد عن الاعتبارات الإيديولوجية الظرفية التي قد يتأثّر بها الحاضرون وهو استنتاج أسمح لنفسي بالقيام به لما شاهدته شخصيا أثناء الحادثة التي ذكرت أعلاه من تأكيد لحرّية المبدعين من طرف رئيس الدولة بحضور الوزيرين أحمد بن صالح والشاذلي القليبي والرسام حاتم المكي بتاريخ 9 أفريل1968.
و ٳثر تجاوز الاختيارات اشتراكية الآفاق والانخراط في المسارالاقتصادي الجديد بدت تطفوعلى السطح توجهات نادت بمشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية الثقافية والدعوة المبدئية للٳستثمار في مجال القطاع الثقافي. ووقعت ترجمة ذلك على أرض الواقع في مجال الفنون التشكيلية بتدشين الوزير الأول الهادي نويره٬ سنة ٬1973 لقاعة الرسام عبد العزيز القرجي بشارع لسيبس بحي البلفيدير بالعاصمة.
ومن الملاحظ أنّه منذ ذلك الحين قام رسامو «مدرسة تونس» باقتسام ذكي للأدوار وبدءوا عملية انسحاب متدرّج من الاتحاد مكتفيين باستعماله كمؤسّسة « توفيقية » بين مختلف الجماعات الفنية مهمّتها الأساسية تتمثّل في التوزيع« السّلمي» للاعتمادات المالية التي تخصصها وزارة الثقافة « لدعم الإبداع التشكيلي». وكما أفصح بذلك الزبير التركي في استجواب صحفي موثّق بأنّه « تمكّن لمدّة السبع سنوات التي قضّّاها على رأس الاتحاد من إقرارسلم « زبيرتركية » (كما أسماها باللاتنية الرومانية)  سمحت للجميع من العمل في كنف الوئام بعيدا عن تنظير المثقفين» فالسلم « الزبيرية الإبداعية » التي أنيط بعهدة الاتحاد فرضها على العاملين في القطاع التشكيلي كان ثمنها الحضاري باهضا ٳذ نتج عنها إفراغ العمل الإبداعي من محتواه الرمزي وتعويد الرسّامين على المواقف السهلة المكتفية بٳعادة إنتاج التاريخ الذي تقوم بصنعه أمم أخرى راضين بالدون وبتبضيع إنتاجهم. فليس غريبا أن نرى اليوم الكثير ممن اطلعوا على ما عرفته فترة أوائل الستينات من حركة إنتاج فكري واكبت٬ بالتنظير الضروري٬ الإنتاج التشكيلي التونسي يتحدّثون عن فترة ذهبية في التاريخ الوجيز للحركة التشكيلية التونسية الحديثة. وليس غريبا أيضا أن يتزامن انتهاء هذه الفترة الذهبية مع بعث اتحاد الفنانين التشكيلين.
وبالموازاة لما قام به الزبير التركي على المستوى المؤسّساتي وبعيدا عن اتحاد الرسامين ومشاكل توزيع الاعتمادات المخصّصة لتشجيع ما يمكن تسميته بعموم الرسّامين ٬تفرغ البعض الآخر من أعضاء جماعة مدرسة تونس للقطاع الخاص. وذالك على مستوى الإنتاج وتسويق السلع الفنية و إسداء الخدمات عن طريق مسالكهم الخاصة للتوزيع بالنسبة للأعمال الفنية و عن طريق وكالة تزويق معروفة بالنسبة لخدمات التزويق. (يتبع)

حضور مؤتمر بالاتحاد السوفياتي في أوائل الستينات.الزبير التركي ضمن بعثة اليسار التونسينفس الحدث مع ظهور عمار فرحات على اليمين . من وثائق الدكتور سليمان بن سليمان اذي يتوسط الجمع .الثالث ابتداء من اليسار

Une réponse

  1. Faouzi Hassouna
    | Répondre

    riche, clair et précis.

Répondre