الفقيه و المسجد و الفضاء العمومي . بقلم : عبد الحليم المسعودي

with 4 commentaires

(1)

الشيخ مورو الذي أصبح يتقن تسويق صورته المطمئنة , يلح على أنه بالإمكان استعمال المساجد  – و هي فضاءات للعبادة لا محالة –  لإلقاء الدروس في الشأن العام , و اعتبر أنه بالإمكان أن تكون الدروس و الخطب فرصة لتربية الشباب من خلال طرح مواضيع سياسية متعلقة بإفهام الناس جملة من المفاهيم و التصورات السياسية المتعلقة بالشأن المدني كالقانون الانتخابي و المسألة  الديمقراطية و الإصلاح الدستوري و غيرها من المسائل الراهنة التي يناقشها الرأي العام التونسي في كل الفضاءات .

و لعل هذه الدّعوة التي يتمسك بها عبد الفتاح مورو –  الذي أصبح يتقن فن الغواية

La séduction

إلى درجة أن صحفيا منشطا أسر إليه أن زوجته معجبة به , كما اقتنعت بغوايته تلك المخرجة السينمائية سلمى بكار في إحدى الحصص التلفزيونية و التي عبرت عن رغبتها في تصوير و توثيق دروسه في المسجد   –  تعيد إلينا في الواجهة مناقشة هوية الفضاء العمومي المقدس و تحديد الفضاء العمومي الدنيوي .

(2)

و لعل من بين أهمّها أن الفضاء المقدس , أي فضاء العبادة الذي يمثله المسجد في البلاد التونسية كان قبل الثورة منتهكا بالخطب الرّسمية خطب الجمعة بمواضيع « مدنية  » مقررة سلفا من وزارة الشؤون الدينية  و محررة من السلطة البنفسجية حتى تحوّلت خطبة الجمعة إلى خطبة في شعبة للحزب الحاكم , و قد سعت السّلطة زمن الجنرال المخلوع تحت شعار محاربة الفكر الظلامي و التطرف إلى الإستلاء على هذا الفضاء المقدس أي فضاء العبادة و الذي من المفروض أن يكون فضاء  حياديا باسم أن بيوت الله لله . رغم أن النظام لم يكتفي فقط بالإنفراد بفضاءات المساجد بل قام ببناء مسجده الافتراضي و المتمثل في إذاعة الزيتونة و التي عولت على خطاب الغواية حين تسللت إلى التلفزيون في شهر رمضان لتتحف الجمهور التونسي المسلم بـ « سيت- كوم »  الشيخ مشفر المتحدث بأسلوب العروي و لغة  » قبي – قبي  » و شعار  » لا حياء في الدين  » مؤكدا أن نظام الجنرال قد اعتنق إسلام السوق الليبرالي دون رصيد نفطي ومع مرجعية  أيديولوجية وهابية لا تخفى عن لبيب .

و من هذا المنطلق فإن ما يقوم به الشيخ مورو لا يكاد يختلف من حيث المبدإ على جملة تلك الممارسات التي يتم فيها توظيف فضاء المسجد لمسائل غير دينية و إن لبست لبوس دين و بمسائل مدنية لا تخلو من مكر التوظيف السياسي .

(3)

و بالعودة إلى فضاء المسجد كفضاء أساسي في قلب الفضاء العمراني  للمدينة العربية الإسلامية و مثالها التاريخي مدينة الكوفة في العشرية الأولى من القرن الأول الهجري و التي تمثل النموذج الأمثل الذي اتبعته بقية المدن العربية الإسلامية في نشأنها و هي  المتكوكبة حول فضاء العبادة  . و اعتبارا للمراجعة التاريخانية لهذا الفضاء , فإن المسجد كان طوال قرون فضاء للتدارس الشأن العام حين لم تنجح المدينة العربية الإسلامية في ظل الحكم السلطاني الذي لا مكان فيه للفردانية و الحرية الشخصية  إبتكار فضائها العمومي , يضطلع بعدة مهام من بينها النظر في الشأن  الديني و  الدنيوي . و هو الأمر الذي لم تعد إليه الحاجة الآن  بعد أن خرجت المدينة العربية الإسلامية من دائرة القروسطية إلى الزمن العمراني و الحضاري المعاصر الذي أوجد فضاءات أخرى لتدارس شؤون الناس و أصبحت بموجب ذلك المساجد مقتصرة على الشأن الديني الروحي فحسب , خاصة و أن الفقيه نفسه قد نجح أيما نجاح في إيجاد فضاءات أخرى و محامل جديدة يمكن من خلالها تبليغ خطابه و خطبه بشكل فعال . و نعتقد في هذا السياق و في تونس الثورة أن أحسن تكريم لهذا الفضاء المقدس الذي هو المسجد هو تحييده عن أي مسألة عمومية درءا لكل توظيف سياسي , و جعله فقط فضاء لعبادة الله وحده دون دعوة على المنبر لأي زعيم أو حزب سياسي .

(4)

و إذا كان الفقيه يرى ولايته في عدم الفصل بين الدين و السياسة , و إذا كان الشيخ عبد الفتاح مورو ماضيا في إلقاء خطبه و دروسه في المساجد مرتديا عباءة الفقيه كمتتم سيميولوجي للمتفقه في الدين , و أنه في نفس الوقت قادر على لباس الزي المدني الغربي المعاصر بربطة عنق في استوديوهات التلفزيون ممعنا في الغواية الصورية و سطوتها على المشاهد , و إذا كان الشيخ مورو مصرّا على تدارس موضوعات الشأن العمومي في المساجد كالمسألة الدستورية و طبيعة النظام السياسي و غيرها من المواضيع , فهل « يسمح » بموجب هذه النظرة لأفراد من الفضاء العمومي و لشخصيات اعتبارية من المجتمع المدني  في البلد إلقاء دروس مدنية حول اللائكية و حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية و فكرة المواطنة  و النقد الأنظمة السياسية التيوقراطية , و هل يمكن أن يتم تعريف المسلم التونسي بأمهات النظريات السياسية القديمة و الحديثة , كأن نقرأ من على المنبر أو تحت أعمدة المسجد رسالة  » فصل المقال  » لإبن رشد ,  أو  » ترجمان الأشواق  » للشيخ محي الدين ابن عربي  أو فصلا من  » اليوطوبيا « 

L’ Utopie

لتوماس مور

Thomas more

و  » ليفياثان « 

Le Léviathan

لتوماس هوبس

Thomas Hobbes

أو كتاب  » الإسلام و أصول الحكم  » لعلي عبد الرازق أو  » الرسالة الثانية للإسلام  » لمحمود محمد طه  .

و لأن الشيخ مورو متحمس للشأن الثقافي و قد طابت منه سلمى بكار دعوة الناس من على المنبر  للذهاب إلى السينما و المسرح , فهل يسمح لأولاد أحمد الصغير  تلاوة قصائده في المسجد خاصة و أن شعر هذا الأخير معني بالشأن العمومي ؟

(5)

و عن الغواية يشير الفيلسوف جون بودريار

J. Baudrillard

أن النرجس المغرم بصورته على سطح الماء لا يحدق في ما وراء صورته إلا في الفراغ . ذاك الفراغ اللامتناهي لتلك الهوة السحيقة التي يمثلها العدم … و نعتقد أنه قد  حان الوقت الآن ليكون الفقيه في المسجد بصورة الفقيه الروحي أي أن يذكر الناس بدينهم دون سيطرة , و أن يتجه هذا الفقيه إذا كانت له أطروحة سياسية إلى الفضاء العمومي المشترك حتى لا تكون الغواية تورية على الفراغ و على غياب المشروع .

و في سياق الحديث عن الفضاءات و أدوارها لا أدري لماذا يضطر العباسيون القادمون من القرن الثاني للهجرة  براياتهم السوداء لإقامة الصلاة أمام المسرح البلدي … و هذا موضوع آخر .

4 réponses

  1. Keskes
    | Répondre

    المســـاجد للموعضة الدينـــية ومـــورو يستعمل المســـاجد للتوعية السياسية من الناحية الدينية
    طبعــا لا يمكن استعمـــال المســاجد من طرف من يــريد أن يعــادي الديـــن لا للشعراء أو الفلاسفة أو أي سياسي قامع للديـــن أن نكـــون ضــد اللائكية في المســاجد فهذا أمر طبيعي والســؤال هو مـا هي الغـرابة في ذلك
    المهم أن لا يستعمــل المسجــد للتحــريض على الكراهية أو التكفـــير

    • Brynell
      | Répondre

      The forum is a brihgetr place thanks to your posts. Thanks!

      • Queenie
        | Répondre

        A good many vaalblues you’ve given me.

      • Naceur Ben Cheikh
        | Répondre

        Traduction :Le forum est un lieu lumineux grâce à vos messages. Merci!

Répondre à Keskes Annuler la réponse