الشعب التونسي ليس سهل الاستبلاه….. نشر منذ ستة أشهر

with Un commentaire

ما يمكنني قوله حول المواقف  السياسية المرتعدة المرتعشة و المتشائمة بالضرورة  التي يعبر عنها العديد من أصدقائي المنتمين اغلبهم للتقدمية اليسارية أمام التبجح السياسي المعلن من طرف الاسلامويين بالغزل المتبادل بين النهضة و الأمريكان هو إن كلا من أصدقائي من اليسار ومن يخيفونهم من الاسلامويين  يحملان نفس التصور للناخبين التونسيين الذين يعتبرهم كل من الشقين مادة طيعة  للاستبلاه الفكري. و تصورهما المشترك لإمكانية استبلاه الناخبين  ينطلق من القناعة  « العلمية و الواقعية » من أن التبلد الذهني الموضوعي الذي حصل لشريحة شبابية واسعة ممن لا يعرفون من الفكر النقدي إلا الانتفاضي منه نتيجة لتغييب العقل من المجال السياسي التونسي لمدة تفوق العقدين من الزمن يجعل الناخب التونسي شبيها  بالناخب الأمريكي  :أداة طيعة  للتقنيات الدعائية التي تعتمد تنويم العقول لتجييش البشر و جمهرتهم

و انطلاقا من هذه الفرضية يقول هؤلاء  بأن الشباب التونسي الذي تربى في واقع هيمن عليه منطق الفكر الأحادي البعد المكرس لعبادة الأصنام بتأليه الحاكم  لن يقدر على إنتاج ثورة ديمقراطية  و سيعيد بالضرورة تعويض الصنم الذي أزاحته الانتفاضة  بصنم جديد يقع إعداده في وضح النهار و ينصب عن طريق تقنيات الدعاية المعاصرة المنومة للعقول و المجيشة للبشر. خاصة بعد أن صارت مشاركة  الجزيرة (القناة  التلفزية و ما تختزله من إشارة للفكر الذي أفتى بتكفير بورڤيبة) في هذا المجال مفضوحا يمكن مشاهدته  بالعين المجردة.

و يمكن لأي ملاحظ  لم يقع تنويمه و تجييشه بعد من فهم ما يقصده قادة الحركة الاسلاموية باستعراضهم الملفت للنظر لوسائلهم الدعائية  المحكمة التنظيم  ذات الكلفة الباهظة و التمويل المعتم عن مصادره. فهم ينوون ترويج  نفس البضاعة تحت « ماركات » متنوعة الأسماء من « غنوشية » و « مورووية »  و « جبالية » و « عريضية » و « بحيرية » إلى ما شابه ذلك ممن يرشحون  لتعمير كعبة الجاهلية الجديدة بأصنام الإسلام الوهابي المعدل بالضرورة… موافقة للسلم الاميريكية المعلنة  و لحسابات التموقع الجديد لفرنسا ساركوزي و جوپي بمحميتها سابقا.

و ما يجب الانتباه له هو أن محتوى هذه البضاعة المروۜج لها يكتسي أقل أهمية  من الاستعراض الوقح  لوسائل الإبهار و الترهيب المعتمدة في تبليغ المحتوى الذي يبقى في كل الحالات مسبوق المعرفة به من طرف متقبليه بالرغم مما قد يقوم به قادة الحركة كل واحد من منبره الخاص من تصريحات تأقلمية ذات صبغة مرحلية.

فالتنظيم المحكم للتجمعات الدعائية التي تعقد بين أفراد وقع اكتسابهم مسبقا (عن طريق غسل الأدمغة الغير المعلن و على أصعدة تتسم بالتستر و السرية) لا يبتغى منه اكتساب أنصار جدد لما قد يطرح  أثناء هذه اللقاءات بين أفراد العائلة الإخوانية  من برامج سياسية  و لكن ترهيب الرأي المخالف و إقناع القوى العظمى عن طريق الصورة البليغة  بأنهم البديل الممكن للدكتاتور المتخلى عنه  في مهمة الدفاع عن مصالح أميركا و فرنسا.

و ما طرأ من جديد على الساحة التونسية بالنسبة لما كانت عليه قبل الإطاحة المباغتة  بالدكتاتور يتمثل بالخصوص في إقدام قيادات الاسلامويين بعد الثورة على استعمال « اعتراف » أميركا و فرنسا بهم كطرف فاعل على الساحة السياسية التونسية الجديدة كعامل إقناع لدى الناخب التونسي المفترض (الذي قد تخيفه الفوضى و التي يتبرأ الاسلامويون من افتعالها)  بأنهم يتمتعون بالمساندة العالمية الكافية التي ستسمح لهم بإدارة شؤون البلاد بنفس مستوى الحزم الذي « أنعم » بواسطته النظام السابق على الشعب التونسي  بالاستقرار.

و الاعتراف الضمني  إن لم نقل التشجيع و التمويل الخفي الغير مباشر للتيارات السياسية الاسلاموية من طرف أميركا و خدمة مصالحها  بالمشرق العربي ليس جديدا . بل الجديد هو « التبجۜح » به و استعماله في الإطار الديمقراطي الجدي الذي أفرزته ثورة تونس كعامل ترهيب و ترغيب في نفس الآن.

و الخطأ الذي يواصل أصدقائي من التقدميين اليساريين في الوقوع فيه يتمثل حسب رأيي في اقتصارهم على خطة دفاعية يبتغون منها إحراج الخصم بدفعه على الإقرار بالتناقض بين تصريحات مختلف رموزه فيما بينهم وبين تصريحات الرموز و الممارسات الفعلية لمنظوريهم المجيشين من طرفهم .

فالمنطق الذي يعتمده الاسلامويون لا يمت بصلة بالعقل بقدر ما يبتغي أصحابه  الإبهار و « الاقماع » أو « التقميع » (من القمع الذهني الذي يتمثل فيما يعبر عنه بالعامية التونسية ب »صبان العلم بالقمع »)  وذلك باستعمال سلطة الصورة التي يقع اعتمادها بشكل كبير في التعتيم عن الواقع  و منع العقل عن التفكر فيه. و من هنا نفهم أهمية الزى الخصوصي الذي يميزون به أتباعهم  عن بقية المسلمين. لأن الزي الإسلاموي هو قبل كل شيء صورة (للرجال والنسوة) تجعل من كل فرد وقع تجييشه لافتة إشهارية متجولة تخدم رموزهم من السياسيين المستثمرين لهم بغية الوصول إلى سدة السلطة.

و بالرغم  مما يمكن افتراضه من وقع سيء على عقول شبابنا لما هم معرضون إليه من الهـرسلة الإيديولوجية المركزة عن طريق الفضائيات الدينية المختلفة بما فيها قناة الجزيرة  فلا مجال لليأس من أن تتمكن الأغلبية منهم من كسر الطوق الذي يفرضه الفكر الكنسي الإسلاموي  عليهم بالتوق إلى فضاءات الحرية الفكرية المبدعة التي يتجذر فيها إسلام القرآن.

وعلى هذا الأساس سأواصل القول بأن ثورتنا لها رب يحميها و لا خوف عليها حتى من كيد الذين نصبوا أنفسهم حماة لها و بخاصة الذين يرشحون أنفسهم لخدمة الهيمنة الأميركية و المصالح الفرنسية بالمنطقة بعد أن فوجئ العالم  بالوضع الجديد التي فرضته عليهم ثورة تونس الأصيلة الغير مؤدلجة و التي تحاول أطراف خارجية  إرجاعها إلى « المسارات الثورية »  المعهودة و المبرمجة المضمونة الفشل و ذلك  بمساعدة الانتهازيين منا على الالتفاف عليها من الداخل.

فالتفاؤل العنيد ليس بالضرورة طوباوية حالمة و التاريخ لا يحسب بأحداثه العابرة بل بما يخترقها من مسارات لا تطفو على السطح إلا من خلال مواقيت يكتب أثناءها معنى الوجود.    و ظني أن ثورتنا مباركة و معناها يتجاوز بكثير ما يريده لها خطابها من الطامعين.

الناصر بن الشيخ

Une réponse

  1. zekri lotfi
    | Répondre

    ألم تجد للإسلاميين أو الإسلامويين في قاموس المفردات الخاص بفنان مثلك إلا وصف الرعاة الجدد للمصالح الأمريكية والفرنسية؟ هل أفهم منك أن السجون العربية والسجون التونسية واحدة منها أصبحت في نظرك مفارخ لتربية رعاة مصالح الإدارتين الأمريكية والفرنسية؟ ألهذا الحد يؤثر اليتم الفكري والأمني على نظرة المفكر التونسي لبني جلدته فيجردهم من كل حس وطني ويحتكر لنفسه الاستقلالية التامة عن كل القوى العالمية؟ ظني فيك أنك لست من أيتام بورقيبة ولا من أيتام بن علي وأنك بعين الفنان قادر على تخطي عتبة المشاهدة والإبصار إلى رؤية الجمال في الأشياء . الإسلاميون يا سي الناصر لم يسندوا يوما بورقيبة أو بن علي في قمع المناضلين ولم يتورطوا يوما في تقديم التقارير الأمنية لوزارة الداخلية كما فعل بهم بنو جلدتهم من اليساريين الانتهازيين أو المحسوبين على اليسار. وإذا سلمنا يوما بأن بورقيبة أو بن علي كان عميلا لفرنسا وأمريكا فإن مربط الفرس يكمن في العلاقة مع اللاعب الأكبر. فنحن لا نعيب على الفرنسي أو الأمريكي عمله على ضمان مصالحه وإنما نعيب على قادتنا عدم حرصهم على ضمان مصالح شعوبهم. واليوم يبدو اللاعب الفرنسي واللاعب الأمريكي أكثر من أي وقت مضى في وضع من الإرباك ليس خوفا منا وإنما خوفا من المارد الصيني الذي افتك منهما الكثير من مناطق نفوذهما في إفريقيا. إنها لعبة السياسة، لعبة المصالح وبما أن السياسة فن لتحقيق المصالح فإن السياسي التونسي اليوم مدعو إلى أن يحكم العمل بقوانين اللعبة للحد من التبعية المقيتة. وحتى لا نغالط أنفسنا أو نغالط غيرنا من بني جلدتنا ليس ثمة سياسي عاقل اليوم قادر على أن يرسم سياسة خارجية لبلد أنهكته السرقات والمديونية، سياسة تقطع نهائيا مع كل أشكال التبعية. لا ينبغي للتونسي اليوم أن يكون حالما بل ينبغي عليه أن يكون عالما يضع قدمية على تربة هذا العالم حتى يتيح لنفسه أن يكون يوما رقما فاعلا فيه. ألتمس منكم المعذرة سلفا

Répondre