إشهاد الصحافة الحرة على عملكم إشهاد لمؤمني هذا الزمان فهل انتم مسلمون ؟

with Aucun commentaire

من الأخطاء الكبرى التي  ترتكبها بعض الأرقام الثانوية في تنظيم النهضة، الحاكم بأمره في الجمهورية التونسية، في شأن رجال الإعلام، ما يُلَوَحُ  به من نشر للقائمة السوداء . وهي قائمة  يفترض أن تفضح الزملاء الذين تعاملوا مع مؤسسات الإعلام الوطنية،  طيلة  ما يفوق العقدين من الزمن.

وهي الفترة التي تمكن أغلب التونسيين أثناءها من تحمل وزر الدكتاتورية التي تسلطت عليهم، دون مغادرة أرض الوطن، مثل ما فعل الكثير من قادة تنظيم النهضة، الذين خيروا لأنفسهم  ذل التذيل للأجنبي، بالهجرة إلى الشمال أو إلى الشرق المتوسط الموسع، الذي صار يضم، جنبا إلى جنب، كلا من عرب الزيت الأسود، المرتدين عن دين محمد و دولة الصهاينة، المرتدين  عن دين أتباع موسى.

و ما يصدر اليوم عن مختلف المتحدثين باسم تنظيم النهضة، و هم كثر، من مهاترات  يندى لها الجبين و يستهجنها العقل يتمثل بالأساس في تجريمهم الضمني للشعب التونسي بأكمله من خلال ما يمكن اعتباره زلة تفكير تتمظهر للأسماع في شكل تجريمهم للصحافيين الذين واصلوا القيام بشغلهم، في حدود ما تركه الدكتاتور  من حيز محدود لممارسة حرية التعبير، في إطار الفضاء الموضوعي للدولة التونسية و مؤسساتها الإعلامية المكتوبة و المرئية و المسموعة،  العمومية منها و الخاصة على حد السواء.

فحتى لو افترضنا أن ما كان  يتصف به نظام بن علي   هو  منكر  بالمفهوم الديني  فواجب المسلم ليس في النأي بنفسه عن هذا المنكر بالعدول عن رؤيته المباشرة ، عملا بمقولة « لا عين ترى و لا قلب يوجع » بل في  مقاومة المنكر بقدر ما يستطاع إليه سبيلا. و أنا لا أتحدث هنا عن « واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر » الذي يتخذه بعض الجهلة بالله و برحمته الواسعة مطية للتسلط المَرَضِي على المسلمين، بغية حرمانهم من فرحة الحياة؛  بل أشير إلى الحديث النبوي المعروف: « عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. واستدعائي لهذا الحديث النبوي في هذا المقام الذي أعتبره خارجا عن الفكر الديني الذي له مجاله الخاص، الغاية منه ليست مجادلة تجار الدين إنطلاقا من مرجعية دينية، هم أبعد الناس عن العمل باخلاقياتها، بل مخاطبة من تسطو عليه حيلهم ممن يمنعهم صفاء نيتهم من التفطن لما يتصف به خطاب تجار الدين من رياء و تعتيم مقصود للوضوح الذي يميز  دين محمد. فموقف الرسول الأعظم من مقاومة المنكر بَيِنٌ للعيان. فحتي إذا ما افترضنا تظلما أن أغلبية الشعب سكتت على المنكر و لم تتجرأ على مقاومته باليد أو بالقول فسكوتها عليه  لا يمكن إخراجه من دائرة الإيمان. خاصة إذا ما وقع التذكير بأن الذين أقدموا على التغيير بالتضحية بأرواحهم لم يكونوا من  تجار الدين الذين كانو يشتغلون على « الربح الحلال » من خلال امتلاكهم المشروع لمؤسسات خدماتية، لا إنتاجية، قد تكون في الواقع  غطاء  قانونيا لتبييض الأموال المتأتية من العمالة اللاأخلاقية لرعاة الإرهاب. كما توجد  شهادات مختلفة يدلي بها بين الفينة و الأخرى نهضاويون انسلخوا عن التنظيم أو أبعدوا عنه تقول بوجود تآمر من طرف مجرمي الغنوشي و عصابته من المأجورين على مناضلي الإتجاه الإسلامي الذين وقع التغرير بهم و تسليمهم لبن علي في إطار العلاقة التفاوضية السريىة المستمرة بين الدكتاتور و الغنوشي الذي  كان يطمح إلى تشريكه في السلطة.

و من الأقوال التي يوجهها المسؤولون في حكومة أو في تنظيم النهضة للصحافيين الذين يرفضون تدجينهم  مطالبتهم بأن يفسروا لهم لماذا لايقبلون منهم ما قبلوه من بن علي أو من صخر الماطري أو من عبد الوهاب عبد الله متناسين أنه من حق الصحفيين المطالبة باستحقاقاتهم في الثورة التي  حررتهم كما حررت بقية التونسيين. فمن  التظلم على الإعلاميين ان يطلب منهم التفريط فيما أهدته الثورة لكل التونسيين ألا وهو الحق في الحرية و الكرامة بدعوى أنهم قبلوا العيش و العمل طيلة سنوات دون أن  يمارسوا هذا الحق ضد النظام الدكتاتوري.  وكأني  بتنظيم النهضة لا يقبل من مكتسبات الثورة إلا كونها  فرصة سمحت لهم بأن يرثوا سلطة بن علي و تجمعه اللقيط. وهم بتصرفهم هذا يتعاملون مع الوضع السياسي الجديد الذي أفرزته الثورة بعقلية  « ما قبل الثورة ». حيث كان الأفق السياسي العام للبلاد يتمحور أساسا حول الصراع على السلطة

و ما يمكن أن نلاحظه من غريب التلاعب بالكلمات و الشعارات التي يلوكها المسؤولون الحكوميون ما يتصل بما  يسمونه باستحقاقات الثورة التي يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على إنجازها باسم ناخبيهم  المؤقتين. وهم مؤقتون  ككل الناخبين في إطار اللعبة الديمقراطية التي لا تعتبر توكيل الشعب، المحدود زمنيا،  للسلطة التي هو أساس شرعيتها، لفائدة حكومة منتخبة،  بمثابة مبايعة ناتجة عن تفعيل مبدإ الشورى الإسلامية. و الخلط بين المفهومين يعتبر مغالطة كبرى و تَحَيُلٌ مفضوح لا سبيل لقبوله مهما كان الثمن.

و نظرا إلى أن لفظة  « استحقاقات الثورة »  تحيل على معنى مبهم و فضفاض فمن االمنطقي و المعقول أن نتحدث عن  « استحقاقات الشعب من الثورة »  التي قام بها و أن تكون مهمة أي حكومة منتخبة إثر الثورة أن تلتزم باستحقاقات الشعب من الثورة و ليس أن تحول استحقاقات الشعب إلى استحقاقات الثورة  كما تراها الحكومة و كأن الشعب أوكل إليها صياغة مضمون لثورته التي قام بها دون وعي أو عن غير قصد

وظني أن النية المبيتة و التي تتاكد ترجمتها على أرض الواقع كل يوم في التخلص  ليس من الإعلاميين و لكن من الإعلام الحر  تمثل في الواقع مطلبا أساسيا لحكومة، آفاق تصوراتها السياسية و الحضارية  لا تسمح لها  إلا بأن تُشْهِدَ، على عملها ، الله و رسوله دون المؤمنين,

ولعل شهادة المؤمنين في إطار ممارسة إسلامية للحكم تتمثل أولا و قبل كل شيء في شهادة ما نسميه اليوم بالرأي العام الذي تتكفل  الصحافة الحرة  بصياغة صوته  وتبليغه لمختلف السلط التي يتوزع بينها الحكم.

و من هنا يمكننا القول بأن للصحافة الحرة  دورا تأسيسيا  لأي نمط من الحكم المعاصر يتخذ من الإسلام  التنويري مرجعيته الفكرية  و عندها نفهم  أن ما وقعت ملاحظته  حول  موقف السلفية  المحافظة  من الديمقراطية و ما تبينه التجربة من سوء نية  فيما يدعونه ، رياء، من احترام لقانونها ، ينطبق كذلك على موقفهم من إسلام القرآن  الذي يريدونه مبتورا من أبعاده الإنسانية و التاريخية  حيث لا يقبلون  بتضامن مستويات الشهادة على كل عمل يقوم به ابن آدم وهي شهادة الله و شهادة رسوله و شهادة المؤمنين. و شهادة المؤمنين تمثل في الواقع  تمظهرا تاريخيا لشهادة الله و رسوله وتسمح بالتالي بأن يكون كتاب الله صالحا لكل زمان و مكان من خلال ما يقوم به المسلمون العقلاء و العلماء  من تحيين إنساني للشهادة  يقوم بها مؤمنو عصرهم  في مختلف أوطانهم.

فعلينا أن نشهد الله  و رسوله و المؤمنين على أعمالنا و نتوكل على الله معولين على أنفسنا  و ليكن ما يكون كما قالها صديقي أحمد الحاذق العرف في ختام مقال كتبه حول معرضي بقاعة الإعلام سنة ١٩٧٧ بجريدة الصباح الغراء.

ناصر بن الشيخ                 


Répondre