ما لن يتجرأ طارق رمضان على البوح به

with Un commentaire

اليوم يمكننا أن نشاهد  ما تعرفه الساحة السياسية العربية من تطورات ذات بعد مأساوي واضح حولت الربيع العربي إلى خريف بعد تلقف الثورتين التونسية و المصرية من طرف المتآمرين عليهما  بتحويل الوجهة الثورية الخصوصية  لكل منهما و إدراجهما في أجندة خارجية تقوم بتغطيتها السياسية و الإعلامية إمارة قطر.وتمثل تحويل وجهتي كل من الثورة التونسية والمصرية في نزع الصفة الخصوصية ( القطرية، بلغة الوحدوويين) وإدراجهما  في خانة « الربيع العربي » الذي يدخلهما في مسار موحد يجعل منهما  مطية أيديولوجية  يقع التعتيم من خلالها عما يحمل اندلاعهما الغير المنتظر من  تمكين الشعوب العربية من المشاركة الفعلية في انتاج التاريخ  و يسمح باستعمالهما تعلة ايديولوجية وأخلاقية للقيام بافتعال ثورات استباقية  غايتها تحويل « الربيع العربي » من تسلسل ثورات تستمد فاعليتها من تجاوز الشعوب العربية حاجز الخوف  و مطالبتها بحقوقها المقدسة في الحرية و الكرامة  إلى  « انقلابات شعبية » تبرمج و تنفذ بمساعدة  القوى العظمى المهيمنة  غايتها تعويض الأنظمة العربية الحليفة بأنظمة أخرى  تحل محلها في المحافظة على السلم الأميركية الضامنة للإستقرار السياسي الذي يحتاجه تواصل  تعميم اقتصاد السوق الذي يخدم  مصالح القوى العالمية المهيمنة .

ومن هنا نفهم  المسار المأساوي الذي اتخذته  ثورات  ليبيا و اليمن و سوريا  التي تحولت بالضرورة إلى حروب أهلية  ذات دلالات مزدوجة  بين شرعية ثورة الكرامة والحرية و استعمال هذه الأخيرة كحصان طروادة لتدخل عسكري و سياسي إعلامي سافر يحرم الشعوب من الإبداع الثوري الخلاق و يعوضه  بالفوضى المعمَمَة   المحبطة للعزائم

و يمْكننا اليوم إضافة مفهوم جديد يمَكننا من اثراء فهمنا لآليات تدخل القوى الاستعمارية الجديدة لمواصلة هيمنتها على الشعوب العربية ألا وهو  مفهوم الثورة الاستباقية التي يبدو و أنها عوضت مفهوم الحرب الاستباقية التي اعتمدها  جورج بوش الإبن وأدت إلى النتائج الكارثية المعروفة

و الثورة الاستباقية يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة  من التدخل في ثورات الشعوب  و تختلف فاعليتها في إجهاض الثورات الأصيلة  بمدى سيطرة الايديولوجيات الطوباوية المهزومة  العروبية و الاسلاموية و شتى أنواع التقدمية الثورجية  على عقول النخبة المشتغلة بالسياسة والتي عن طريقها تُحَوَل ثوراتُ الحرية و الكرامة إلى مشاريع وهمية  ذات صبغة ايديولوجية  تلهي الشعوب و تجعلها في غفلة عما يفعله بها المغامرون السياسيون الذين يضعون أنفسهم في خدمة القوى الاستعمارية الجديدة٫ و الثورة الاستباقية  يمكن أن تتحول إلى ثورة مضادة يختزل أثناءها التغيير في التفعيل الاوتوماتيكي  لما يفضي إليه الاحتكام  « الكلبي » لصناديق الاقتراع ولو أدى ذلك إلى إبدال دكتاتورية  مستبد غير عادل باستبداد أشد وقعا وهو استبداد الجماعة المنتخبة باعتبارها منتصرة في حرب الانتخابات  مهما كانت نسبة و نوعية شرعيتها الغير المعلنة والتي تعتم عن ذكرها الفاعلية المنتظرة للعملية الانتخابية و ضرورة افصاحها عن نتائج عملية في تعيين الأغلبية الحاكمة . ويمكن القول بأن الوضع الذي سبق ذكره ينطبق جزئيا على الثورتين التونسية و المصرية  مع الفارق الذي أشرت  إليه في الجزء الأول من هذا التحليل و الذي نشرته منذ ما يقرب السنة والذي أوضحت فيه أن الثورة التونسية متقدمة بحقبة عن شقيقتها المصرية التي عليها أن تقوم بعدإسقاط دكتاتورية مبارك  بتجاوز ثورة عبد الناصر العسكرية التي مايزال  المشير الطنطاوي يتمسك بشرعيتها الى حد اليوم. و هو ما يجعلني ألاحظ أن الثورة المصرية  تعاني اليوم من تحالف نوعين من الثورة المضادة يتمثل الأول منها في عدم القبول بانتهاء حقبة الثورة الانقلابية العسكرية و الثاني في  الانتصار الانتخابي لدكتاتورية الاجماع الديني. وهو ما قد يبرر تشاؤم بعض الملاحظين الذين يقولون إن الثورة المصرية تبحث اليوم عن الخروج من عنق الزجاجة.

و اعتبارا لكل هذا فان الثورة التونسية  ونظرا لتقدم تونس البورقيبية بحقبة تاريخية عن كل الدول العربية و أكاد لا أستثني  منها حتى لبنان فإن إمكانية الثورة المضادة كانت أقل  فاعلية بالرغم مما تتبجح به الأغلبية النسبية الاسلاموية التي  » تحالفت » مع ثورجي مراهق سياسي حيدت عن طريقه سلطة رئيس الجمهورية و سياسوي ينوي بلوغ مرتبة  رجل دولة بمعارضة داخلية تؤهله أن يقوم بدو المدافع عن الدستور المقبل من  خطر   التخونيج و التتريك و التقطير.  و ما تؤشر عليه ردود الفعل و المبادرات الحيوية التي تقوم بها  مختلف مكونات المجتمع المدني باستثناء جمهرة المنحازين  تعصبا  لحكومة الإسلامويين الإنتقالية تدل على أن الثورة التونسية ما زالت في بداياتها و أنها بخير

و لا أظن أنه ما زال يوجد في العالم  بما فيه أمير قطر و أوباما و إسرائيل  من سيثق  مستقبلا في قدرة  الغنوشي و الجبالي و بوشلاكه و الديلو و أمراء السلفية بالبرلمان و الحكومة  على الالتفاف المبرمج على ثورة  شعب أنتج بورقيبه و فرحات حشاد و الثعالبي و محمد الطاهر بن عاشور و غيرهم من الزعماء  الذين  أنتجوا فكر التحرير و التنوير و جعلوا منه مضادا حيويا  يضمن لتونس مناعتها الذاتية ضد كل أنواع الفيروسات الاسلاموية المفبركة بلندن  مع استثمار أميركي و توزيع  سعودي قطري٫

تونس في الخامس من فبراير٢٠١٢

Une réponse

  1. zakaria
    | Répondre

    cinglant! plus rien a ajouter .. sauf son histoire qui en dit plus long . nous mesurons aujourd’hui la valeur de Bourguiba l’action … pour être juste avec les bourguiba de la théorie qui ont jalonné notre histoire et qui ont été nombreux .

Répondre