! متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

with Un commentaire

المحتوى الاجمالي لهذا المقال نشرته باللغة الفرنسية على أعمدة مجلة
« Dialogue »
كمشاركة مني في ملف خصصت له موضوع الغلاف و ضمنته مقالات عديدة بامضاء نخبة نيرة من المثقفين الشبان و عنونته :
« La bataille pour la libération de l ‘Islam»
. كان ذلك في اطار الجدال الدائر على الساحة الوطنية في أوائل الثمانينات حول أنجع المسالك للدفاع عن الدين الاسلامي كما أنتجه الفكر السني بجزيرة المغرب من الهرسلة اليومية التي كان يقوم بها ضده مستوردو الاسلام الوهابي و التشيع الصفوي والمختلفين نوعيا عن سنة مالك و عن التشيع العلوي الذي تحيل عليه بعض الممارسات الشعبية التي تذكر بأن مؤسسي القاهره الفاطمية كانت عاصمتهم الأولى مدينة المهدية التونسية 1 .
و الاشارة هنا الى تاريخ نشر المقال بالفرنسية المقصد منه تذكير الشبان الذين يقل سنهم عن الثلاثين بأني لا أطرح هذا الموضوع اعتبارا للظرف الحالي الذي تعرفه البلاد اليوم حيث ان محتوى ما انا بصدد كتابته الآن سابق لتأسيس حركة النهضة و يرجع تاريخه الى السنوات الاولى من ظهور حركة الاتجاه الاسلامي على الساحة السياسية٫ أي الى فترة لم تكمت فيها بعد أصوات الفكر الحر وهو ما حصل اثر التحالف الاستراتيجي بين راشد الغنوشي و بن علي و الذي مكن هذا الأخير من استعمال خطر الخوانجية كفزاعة حتمت على رئيس عجوز تسمية جنرال جاهل في مركز خول له القيام بانقلابه الطبي. فكان من استئناس نظام السابع من نوفمبر بأخلاقيات اسلام الغنوشي و تنكره للفكر الاسلامي المغاربي الذي انتحاه بورقيبه ما جعل الغنوشي يصرح بأنه يؤمن٫ بعد الله, ببن علي و ذلك قبل أن ينتحل الجنرال صفة حامي الحمى و الدين متبنيا الخطاب الاخواني باسم سياسة سحب البساط و تاركا للغنوشي دور المعارض الخارجي ليستعمله كفزاعة لدى الرأي العام الغربي٫ لاضفاء « شرعية » وظيفية أمنية على نظامه الاستبدادي.
و من الملاحظ أنه بعد أن أفزعت ثورة الرابع عشر من جانفي الجنرال الجاهل فهرب حامي الحمى و الدين الى السعودية واضعا نفسه تحت حماية خادم الحرمين واصل راشد الغنوشي, حليفه الموضوعي و الفعلي سابقا, اللجوء لنفس استراتجية الفزاعة, باستعماله غلاة حزب التحرير لاضفاء مصداقية ما على اعتدالية الاسلام السياسي الذي يستعمله, مطية للوصول الى سدة الحكم بمساندة معلنة من اليمين الاميركي و فرنسا ساركوزي و امارة قطر.
و مما ساعد أيضا حزب النهضة على تجييش الشباب الغاضب ما يعطيه الللايكيون من شرعية يعترفون له بها باعتباره ممثلا للاهوت و يطالبونه بقبول الفصل بين السياسة و الدين و هو ما يتمكن من رفضه بسهولة باعتبار الدين الاسلامي استثناء بالنسبة للأديان السماوية الأخرى. و هو نفس الخطأ الذي وقعوا فيه سابقا اثناء الفترة البورقيبية الاولى (ماقبل بداية السبعينات) عندما لم يتفطنوا الى أن تأكيد بورقيبة على أن الدولة التونسية دينها الاسلام لم يكن « خبثا سياسيا » صادرا عن علماني « لاييكي » كما يظنه البعض منهم الى حد الآن بل هو في واقع الأمر التزام مبدئي واضح بعدم عزل الدين عن شؤون الدنيا حتى لا يتمكن رجال الدين منه بتحويله الى لاهوت يسمح لهم بالقيام بدور الوسيط بين حاجة الأفراد لمن يسوس شؤون دنياهم وفي نفس الأن لاشباع حاجتهم المشروعة للروحانيات .
فقد تفطن بورقيبه الى أن عزل الدين عن السياسة مضر بمشروعه الذي قصد منه تحرير الانسان التونسي من الفكر الغيبي. و هو ما يضفي على هذا المشروع صبغة طوباوية كان على تمام الوعي بها اذ نبه العديد المرات بأنه لن يفهم الا بعد أربعين سنة. وهو ما يجبر الباحث على ضرورة التفريق بين تفكير بورقيبه المصلح ذي البعد الثقافي الابداعي اللاغائي من جهة٫ ومن جهة أخرى ممارساته السياسية كرجل دولة٫ مطالب بانجاز ما يقول و يحاسب على قدر وفائه الفعلي للشعار الذي اتخذه لنظامه و هو « الصدق في القول و الاخلاص في العمل » والذي تسببت صفته المثالية في خيبة أمل عبر عنها منور صمادح في قولته الشعرية المقتضبة المعروفة.2
و ما يهمني توضيحه اليوم هو أن معركتنا مع الاسلام السياسي لا يمكن خوضها الا من داخل المنظومة الفكرية الاسلامية ذاتها و بعدم القفز على خصوصية الدين الاسلامي و ما يميزه عن الاديان السماوية التي سبقته٫ أي بالقبول بما يعبر عنه بالاستثناء.
و قد نجبر منهجيا على توضيح معنى الاستثناء و هو لا يعني حكما قيميا يجعلنا نقول بعلوية دين الاسلام على بقية الأديان بل اعتبار الرسالة المحمدية جامعة لها و مذكرة بما وقع تناسيه عندما تحولت هذه الأديان الى مؤسسات مغلقة مختصة في التعامل مع المقدس و الحرام يشرف عليها اختصاصيون يتمثل دورهم في درء خطر الاحتراق عن عامة البشر عندما يشعر هؤلاء الُأخَر بالحاجة للتذكّر و الحنين الى حالة الجنين٫ كما يقول علماء النفس, أو بالحاجة لتوحيد ذواتهم المثناّة طبيعة. وهي حاجة أساسية لا يتمكنون من اشباعها الا بالقرب من الوهج الرباني٫ وهذا القرب لا يقدر عليه الا العشاق. والعشق في هذا المقام لا يتجاوز سلطان العقل اذ يتمثل في مواقف تأمّلية يركن لها العقل الواعي بحدوده و القابل بنقصانه. .و العقل بقبوله بنقصانه يجعل من ذلك عنوانا لعبوديته التي توثقه بالمعبود فيتأكد عندها ميثاق التحرير الذي يربط العبد بالمعبود دون تصنيم و توثين. وعبودية عبادالله عبادات و العبادات ترميز و ابداع ينتجه عُبّاد الله٫ وليس اقرارا بالعجز و استسلاما لسلطان الهوى الذي هو أساس الجهل٫ يحول العبادة استيلابا و الترميز استهلاكا للرموز الجاهزة و عُبّاد الله الى عبيد يظلمون أنفسهم من حيث لا يدرون. وما الله ظلمهم بل انفسهم يظلمون لأنه سبحانه تعالى « لا يظلم مثقال ذرة » 3… »وما ربك بظلام للعبيد« . 4
و تمثل هذه التوضيحات التي قد يضيق المجال لتبيان ما تحيل عليه من علاقة تأويلية للنص القرآني اشارة لماابتغي نحته في ما سيأتي من القول حول المقاصد المحرّرة لللانسان التي يتضمنها القرآن الكريم و هو منحى انتحاه من قبلي٫ كل على مراجعه٫ الكثيرون من العلماء بالدين بأرض المغرب الكبير الزكية ممن توحي قراءتهم للكتاب بأن الاسلام استثناء بصفته منيرا و محررا لبني البشر من تسلط الفكر الغيبي الذي ضمن مصالح الكهنة الذين قتلوا آخنتون و الرِبيين الذين حكموا بصلب عيسى و الكنسيين الذين حولوا العشق المسيحي الى محاكم تفتيش و تحويل رسالة محمد الى اسلاموية استهلاكية يبتغى منها جر المسلمين الى اهلاك انفسهم بأيديهم لأنّ الاستهلاك من طلب الهلاك و لو تمثل في استهلاك الروحانيات المعلبة التي توزع مجانا على مشاهدي القنوات التلفزية الاسلاموية. و خلافا لما يدعيه بعضهم من باعثي هذه القنوات بأن « المشاهد شاهد » يمكننا استخلاص مما سبق ذكره بأنّ المشاهد « مو شاهد » للفارق الكبير بين مشاهدة التلفاز و الشهادة التي هي من الايمان.
ومن هنا نفهم أيضا خطر كل من العقلانية العملية الجاهلة بحدودها و التي لا تمت الى العلمانية بصلة و اللاهوت الذي يؤسس استعباده للبشر باغتيال العقل النوراني الذي حبا الله به آدم و ميزه به عن بقية مخلوقاته. ويتكامل كل من العقلانية العملية المختصة في العلوم الموصوفة بالصحيحة و تغييب العقل من طرف علماء اللاهوت٫ على مستوى المدونة الفكرية التي يعتمدها الاسلامويون باتخاذهم الشعار الذي رفعه المرحوم أنور السادات بالأخذ بالقرآن بيد و بالعلوم الصحيحة باليد الأخرى تماهيا مع أصوله الاخوانية من قبل أن يقع اغتياله على يد خالد الاسلامبولي الذي بالرغم من أنه لم يكن ينتمي الى أي تنظيم سياسي اخواني كان مسكونا بالفكر المنبني على اغتيال العقل. وهو نفس الفكر الذي يعتمده الفكر المسيحي الصهيوني الأميركي الذي يرفع هو أيضا شعار التوراة و الأناجيل بيد و باليد الثانية العلم و سلطان التكنولوجية.
و اذا ما ذكرنا من جهة أخرى بقوله تعالى :
« مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا » (3 /67) فهمنا ما يتضمنه الذكر من علاقة بين التذكير باسلام ابراهيم و تحرير البشر من اللاهوت الذي حول من خلاله اليهود و النصارى اسلام ابراهيم الخليل الى دين يتسلط به رجاله على عقول بني آدم. و عندما يتخذ اسلام المغاربه التنوير و التحرير شعارا فهو في الواقع يتحدث عن تحرير العقول بتنويرها. و عندها نفهم مايتضمنه هذا المنحى في فهم جوهر الفكر الاسلامي من واجب المقاومة للتيارات الاسلاموية التي تعمل على تهويد الاسلام و تمسيحه و على المساهمة الفعالة في عولمة جارفة يكون لسلطة اللاهوت فيها دور المسكن للعقول بغاية استعباد الناس أجمعين. والكلمة المأثورة التي وجهها عمر بن الخطاب الى والي مصر عمرو بن العاص حري بنا اليوم ان نوجهها لمستوردي الوهابية لبلاد المغرب الاسلامي و ان نقول لهم : « متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا !  »
_________________________________________________________
1 توجد مهدية أخرى شمال الرباط بالمغرب ولها ميناء للصيد البحري على المحيط الاطلسي.
2 شيئان في بلدي خيبا أملي الصدق في القول و الاخلاص في العمل
3إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (40) سورة النساء
4وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ(46)سورة فصلت

Une réponse

  1. zakaria bouker
    | Répondre

    قطعا سأكون في خط مستقيم مع كل ما ذكرت حرفا حرفا. وقد جعلت المنطق السليم ومعرفة التاريخ والحاضر قدام التحليل . لاموازيا له او خلفه كما يقوم بذالك لسان الدفاع المأجور او صاحب الصلحة. هذه الفكرة التي تغوص في عمق اعماق الذات البشريةبحثا عن اسبابها استاناسا بروحانيات الشرق الأقصى ووثنيات الاغريق قد لا تجد صدى عند العامة لما فيها من تراكم تاريخي ودمج لعلم النفس الحديث. ارجو ان تبسط في موقف آخر الى ابعد حد هذه المقالة النيرة المنيرة.

Répondre