من الضروري وضع خطب بورڤيبه في مجالها التاريخي الأصلي حتى لا يقع توظيف أقواله في خدمة توجهات حزبية ضيقة قد تضر من معناها بسحبها عليها.
سأبدأ بعنوان هذه الصفحة التي نشرت الفيديو وهي Le Bourguibisme ne mourra jamais وهو شعار يقول بأن البورڤيبية لن تموت . ومن المعروف أن قوة ما يمكن تسميته بفكر بورڤيبه تتمثل في أنه لا يمكن تنميطه دون تحنيطه وإخراجه من السياق التاريخي المتحول بالضرورة . و الغريب في الأمر هو أن كلمة Bourguibisme لا يمكن ترجمتها للعربية دون إغفال للبورڤيبية كنمط إنتاج إبداعي لفكر مفتوح على الواقع المتجدد دوما. وهو بصفته تلك لا يمكن إستعمال مقولاته الأصلية دون إعادة قراءتها… و كتابتها حسب خصوصيات الفترة التاريخية التي ينتمي إليها » قارؤها-مؤولها » ومعيد كتابتها.فالبورڤيبية ليست نصوصا بل طريقة تفكير و التراث البورڤيبي ليس النصوص التي يمكن أن نحول إليها خطبه وهي ذات صبغة شفوية في أغلبها و معنى النص الشفوي أغنى و أوقع بكثير من النص المكتوب المقروء المعروض . وترجمته قد تقلب معناه. فكلمة المجاهد الأكبر التي يتأسس معناها في الجهاد الأكبر ومعناها أن المجاهد الأكبر ليس أكبر المجاهدين كما وقع وصف بورڤيبه من طرف متزلفيه و مداحيه ممن صنموه و قتلوه وهو حي يرزق بل الشخص الذي يمارس الجهاد الأكبر وهو تجاوز النفس الأمارة بالسوء و « العيش من أجل الآخرين » و التي سيعبر عنها من خلال مرجعين مختلفين :الأول حديث نبوي إعتمده المتصوفه و تنكر له الوهابيون و هو الذي يضع جهاد النفس في مرتبة أعلى من الجهاد في سبيل الله بمحاربة أعداء الإسلام بما فيهم المسلمون أنفسهم. والمرجع الثاني هو الجملة القصيرة التي قرأها و هو طالب في السربون على تمثال ل « Auguste Comte : « Vivre pour Autrui . والنمط الفكري الإبداعي الذي ينآى عن الإعادة و العنعنة هو ما يعبر عنه ب. le mode de penser bourguibien والفارق بين Le bourguibisme و ce mode de penser bourguibien هو ما يفرق بين الإسلام القرآني المحرر للعقول و الإسلام السني المحنط و ما يفرق بين Le Marxisme و La Pensée marxienne. وما أؤكد على الإشارة إليه إثر هذا التوضيح هو أن القول التصنيمي بأن البورڤيبية لا تموت هو الذي يؤدي صاحبه إلى تقديم الفيديو بتبرير الحكم الاستبدادي باعتباره أخف الضررين…. و المستمع لنسق الخطاب يفهم أن بورقيبه بصدد الدفاع عن الديمقراطية ممن كانوا يريدون التعجيل بها قبل أن يبلغ الشعب مستوى من الرشد الذي يؤهله بحق أن يكون مصدر التشريع و الحكم. و معنى ذلك أن بورڤيبه كان يرى في الإستبداد الأبوي االذي مارسه خدمة لمشروعه الديمقراطي المستقبلي و الذي كانت المطالبة باستعجاله إجهاضا له و مخاطرة بالنظام الجمهوري الذي أسسه. و من الواضح من ملامح بورڤيبه أن هذا المقتطف يرجع تاريخه إلى فترة ما بين مؤتمر المنستير الأول و مؤتمر المنستير الثاني وهو رد على موقف الباجي قايد السبسي و أحمد المستيري ومن تبعهم من ديقراطيي الحزب الإشتراكي الدستوري من مؤسسي حركة الديقراطيين الإشتراكيين.
Répondre