« بورڤيبه و »الإستعمار الإستيطاني لفلسطين

عزالدين القسّام

  ،لقد أشرت فيما سبق الى إمكانية إعتبار مسارأوسلو والإتفاقيات التي تمخضت عنه إسقاطا لاتريخيا، على الواقع الفلسطيني الخصوصي، للتمشي النضالي الپرڤماتي المختزل فيما يسمّى ب »سياسة المراحل » التي إحتذاها بورڤيبة أثناء قيادته لحركة التحرير التونيسة والتي سبق وأن قدّمها للفلسطينيين، في خطابه الذي ألقاه بمدينة أريحه في مارس 1965، كبديل للمواقف المشحونة بالعاطفة وبعدم العقلانية والقافزة على واقع صعب لا يُتحمَل قبوله إلا بإعمال العقل ومَوْضَعتِه واعتبارِه مُعطى واقعا يجب الإعتراف بوجوده     للتمكّن من إيجاد الوسائل والطرق الناجعة التي تضمن تغييره المنشود. و »الإعتراف بالواقع » يختلف عن « الإعتراف بالأمرالمقضي » فالإعتراف بالواقع شرط قبلي للتعرّف عليه وتقييمه بغية التمكّن به ك »موضوع » تتموضع من خلاه الذات الفاعلة، متجاوزة المتافزيقيا التي تفرق بين الذات الموضوع. وقرار التقسيم (1947) لم يكن قرارا أممياّ ب »إحداث » دولتي أسرائيل وفلسطين له صفة إالإعتراف التأسيسي والرسميّ بالدولتين بل كان مشروعا وقع عرضه على الشعبين للموافقة عليه عن طريق الإستفتاء. فالذي وقع هو أن العرض بقي مشروعا ولم يرتقي لمستوى الشرعية التي لايمكن أن تُضفى عليه إلا بعد تنظيم الإستفتاء و يحضى بقبول الطرفين. ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أن مشروع التقسيم بخريطته على الأرض كان مبنيّا على إعتراف ضمني ب »الأمر الواقع » الذي فرضته الهجرة المنظمة من طرف الحركة الصهيونية تحت غطاء الوصاية البريطانية على فلسطين،إبتداء من1917. ف »النكبة » لا يرجع تاريخها ليوم إعلان إسرائيل عن تأسيس دولتها بطريقة أحادية الجانب في ماي 1948  بل إلى تاريخ إنتصاب الوصاية البريطانية على فلسطين و شرق الأردن. إذ أن في هذه الفترة « مابين الحربين » بعث المهاجرون اليهود  شركات عقاريّة لشراء الأراضي وإستعمال هاته الشركات  كتغطيّة لعملية الإستحواذ على الأراضي بالقوّة عن طريق عصابات إرهابيّة ( الهاڤانا والإرڤون ) ترأسها  الزعماء المؤسّسون لدولة إسرائيل و منهم بن ڤريون وبڤين. وقامت هاته العصابات بمجازر وقتل جماعي بغاية الترهيب والتهجير القسري لسكانها مالكيها (دير ياسين كمثال يذكره التاريخ) دون تدخّل حقيقي للسلط البريطانيّة. و ظهرت بالمقابل بوادر الكفاح الفلسطيني بقيادة  الشيخ عزالدين القسّام اللاذقاني المولد و الذي استشهد سنة 1935 في معركة ضد الجيش البريطاني. ولتغطية لا شرعية الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينين حوّلت إسرائيل نكبة الفلسطينيين ( هولوكست بالعبري تسمّى نكبه) إلى حرب « تحرير

إسرائيل » من الوصاية البريطانية التي كانت الغاية من وجودها تنفيذ وعد بلفور ببعث مأوى لليهود على أرض فلسطين فقامت إسرائيل ،هي أيضا، بعمليات إرهابية ضد الأنڤلي فنسف الإرهابي بن ڤوريون نزل الملك داوود بالقدس و قتلت عصابة بيڤين المنسق الأممي لورد برنادوت، وهو من العائلة الملكية بالسويد (ومن هنا نفهم موقف ملك السويد الذي يرتدي الكوفية اليوم) كل ذلك باسم حرب « تحرير إسرائيل ». ونفهم هنا لماذا حكومة إسرائيل لم تحتفل هذا العام 2024 بذكرى « تأسيس دولة إسرائيل » بل بعيد « إستقلال إسرائيل ». وهي سردية تنفي عنها صفة المستعمر المستحوذ على أرض الغير وتجعل المواطن الأمريكي يقوم بإسقاط وضعية

 « الولايات المتحدة باحتفالها  ب « يوم الإستقلال

Independence Day » على وضعيّة إسرائيل

 والمعني هنا بالنسبة للولايات المتحدة هو إستقلال المستعمرات البريطانية بأميركا عن التاج الملكي البريطاني. وهكذا غطت أميركا ،مثل إسرائيل بعدها، حرب إبادتها الإستعمارية لسكان أميركا الأصليين بالإعلان عن تأسيس دولتها نتيجة « حرب تحرير » قامت بها المستعمرات الأنڤليزية ضد الجيش البريطاني (4جويليه 1776). فإستفاقة الوعي الإنساني بالصبغة الإستعمارية للكيان الصهيوني إثر السابع  من أكتوبر 1923جعل الإسرئليين  يؤصّلون شرعية وجود دولتهم في نفس السردية التي تُشرعن من خلالها أمريكا وجود دولتها. وهاتة السنة هي الأولى التي ظهرت فيها للعيان الصبغة الإستعمارية لقضيّة فلسطين والتي تشهد اليوم على صحّة موقف بورڤيبة من القضيّة الذي عبّرعنه منذ سنة  48